7 - واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم رسول الله فاقْدروه حق قدْره واصْدقوه ، لو يطيع ضعاف الإيمان منكم في كثير من الأمور ، لوقعتم في المشقة والهلاك ، ولكن الله حبَّب في الكاملين منكم الإيمان ، وزيَّنه في قلوبكم ، فتصَونوّا عن تزيين ما لا ينبغي ، وبغَّض إليكم جحود نعم الله ، والخروج عن حدود شريعته ومخالفة أوامره ، أولئك هم - وحدهم - الذين عرفوا طريق الهدى وثبتوا عليه تفضلا كريماً ، وإنعاماً عظيماً من الله عليهم ، والله محيط علمه بكل شيء ، ذو حكمة بالغة في تدبير كل شأن .
قوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } فاتقوا الله أن تقولوا باطلاً أو تكذبوه ، فإن الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا ، { لو يطيعكم } أي : الرسول ، { في كثير من الأمر } مما تخبرونه به فيحكم برأيكم ، { لعنتم } لأثمتم وهلكتم ، والعنت : الإثم والهلاك . { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } فجعله أحب الأديان إليكم { وزينه } ، حسنه ، { في قلوبكم } ، حتى اخترتموه ، وتطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم { وكره إليكم الكفر والفسوق } قال ابن عباس : يريد الكذب ، { والعصيان } جميع معاصي الله . ثم عاد من الخطاب إلى الخبر ، وقال : { أولئك هم الراشدون } المهتدون .
ويبدو أنه كان من بعض المسلمين اندفاع عند الخبر الأول الذي نقله الوليد بن عقبة ، وإشارة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعجل بعقابهم . وذلك حمية من هذا الفريق لدين الله وغضبا لمنع الزكاة . فجاءت الآية التالية تذكرهم بالحقيقة الضخمة والنعمة الكبيرة التي تعيش بينهم ليدركوا قيمتها وينتبهوا دائما لوجودها :
( واعلموا أن فيكم رسول الله ) . .
وهي حقيقة تتصور بسهولة لأنها وقعت ووجدت . ولكنها عند التدبر تبدوا هائلة لا تكاد تتصور ! وهل من اليسير أن يتصور الإنسان أن تتصل السماء بالأرض صلة دائمة حية مشهودة ؛ فتقول السماء للأرض ؛ وتخبر أهلها عن حالهم وجهرهم وسرهم ، وتقوم خطاهم أولا بأول ، وتشير عليهم في خاصة أنفسهم وشؤونهم . ويفعل أحدهم الفعلة ويقول أحدهم القولة ، ويسر أحدهم الخالجة ؛ فإذا السماء تطلع ، وإذا الله - جل جلاله - ينبئ رسوله بما وقع ، ويوجهه لما يفعل وما يقول في هذا الذي وقع . . إنه لأمر . وإنه لنبأ عظيم . وإنها لحقيقة هائلة . قد لا يحس بضخامتها من يجدها بين يديه . ومن ثم كان هذا التنبيه لوجودها بهذا الأسلوب : ( واعلموا أن فيكم رسول الله ) . . اعلموا هذا وقدروه حق قدره ، فهو أمر عظيم .
ومن مقتضيات العلم بهذا الأمر العظيم أن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله . ولكنه يزيد هذا التوجيه إيضاحا وقوة ، وهو يخبرهم أن تدبير رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لهم بوحي الله أو إلهامه فيه الخير لهم والرحمة واليسر . وأنه لو أطاعهم فيما يعن لهم أنه خير لعنتوا وشق عليهم الأمر . فالله أعرف منهم بما هو خير لهم ، ورسوله رحمة لهم فيما يدبر لهم ويختار :
( لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) . .
وفي هذا إيحاء لهم بأن يتركوا أمرهم لله ورسوله ، وأن يدخلوا في السلم كافة ، ويستسلموا لقدر الله وتدبيره ، ويتلقوا عنه ولا يقترحوا عليه .
ثم يوجههم إلى نعمة الإيمان الذي هداهم إليه ، وحرك قلوبهم لحبه ، وكشف لهم عن جماله وفضله ، وعلق أرواحهم به ؛ وكره إليهم الكفر والفسوق والمعصية ، وكان هذا كله من رحمته وفيضه :
( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ؛ وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان . أولئك هم الراشدون . فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) . .
واختيار الله لفريق من عباده ، ليشرح صدورهم للإيمان ، ويحرك قلوبهم إليه ، ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم ، وتدرك ما فيه من جمال وخير . . هذا الاختيار فضل من الله ونعمة ، دونها كل فضل وكل نعمة . حتى نعمة الوجود والحياة أصلا ، تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدنى ! وسيأتي قوله تعالى : ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )فنفصل القول إن شاء الله في هذه المنة .
{ واعلموا أن فيكم رسول الله } أن بما في حيزه ساد مسد مفعولي اعلموا باعتبار ما قيد به من الحال وهو قوله : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } فإنه حال من أحد ضميري فيكم ، ولو جعل استئنافا لم يظهر للأمر فائدة . والمعنى أن فيكم رسول الله على حال يجب تغييرها وهي أنكم تريدون أن يتبع رأيكم في الحوادث ، ولو فعل ذلك { لعنتم } أي لوقعتم في الجهد من العنت ، وفيه إشعار بأن بعضهم أشار إليه بالإيقاع ببني المصطلق وقوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } استدراك ببيان عذرهم ، وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكراهتهم للكفر حملهم على ذلك لما سمعوا قول الوليد ، أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إحمادا لفعلهم وتعريضا بذم من فعل ويؤيده قوله : { أولئك هم الراشدون } أي أولئك المستثنون هم الذين أصابوا الطريق السوي ، { وكره } يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد فإذا شدد زاد له آخر ، لكنه لما تضمن معنى التبعيض نزل كره منزلة بغض فعدي إلى آخر بإلى ، أو نزل إليكم منزلة مفعول آخر . و{ الكفر } : تغطية نعم الله بالجحود . { والفسوق } : الخروج عن القصد { والعصيان } : الامتناع عن الانقياد .
وقوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } توبيخ للكذبة ووعيد للفضيحة ، أي فليفكر الكاذب في أن الله عز وجل يفضحه على لسان رسوله ؛ ثم قال : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } أي لشقيتم وهلكتم ، والعنت : المشقة ، أي لو يطيعكم أيها المؤمنون في كثير مما ترونه باجتهادكم وتقدمكم بين يديه .
وقوله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم } الآية كأنه قال : ولكن الله أنعم بكذا وكذا ، وفي ذلك كفاية وأمر لا تقومون بشكره فلا تتقدموا في الأمور ، واقنعوا بإنعام الله عليكم ، وحبب الله تعالى الإيمان وزينه بأن خلق في قلوب المؤمنين حبه وحسنه ، وكذلك تكريه الكفر والفسق والعصيان ، وحكى الرماني عن الحسن أنه قال : حبب الإيمان بما وصف من الثواب عليه وكره الثلاثة المقابلة للإيمان بما وصف من العقاب عليها .
وقوله تعالى : { أولئك هم الراشدون } رجوع من الخطاب إلى ذكر الغيب ، كأنه قال : ومن فعل هذا وقبله وشكر عليه فأولئك هم الراشدون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.