المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

265- حال الذين ينفقون أموالهم طلباً لمرضاة الله وتثبيتاً لأنفسهم على الإيمان ، كحال صاحب بستان بأرض خصبة مرتفعة{[26]} يفيده كثير الماء وقليله ، فإن أصابه مطر غزير أثمر مثلين ، وإن لم يصبه المطر الكثير بل القليل فإنه يكفي لإثماره لجودة الأرض وطيبها ، فهو مثمر في الحالتين ، فالمؤمنون المخلصون لا تبور أعمالهم ، والله لا يخفى عليه شيء من أعمالكم .


[26]:في تعبير القرآن الكريم بكلمة ربوة وهي الأرض الخصبة المرتفعة إشارة إلى ما كشفه العلم الحديث لأنها بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفية فيغوص المجموع الجذرى في التربة من غير ماء يضره ويتضاعف عدد الشعيرات الماصة لأكبر كمية من الغذاء للسيقان المجموع الخضري فيتضاعف المحصول. وللوابل من الأمطار فائدة فوق التغذية أنه يذيب بعض المواد التي تحتاج إليها النباتات ويغسلها مما يعطل نموها كما يغسلها من الآفات.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

قوله تعالى : { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } . أي طلب رضا الله تعالى .

قوله تعالى : { وتثبيتاً من أنفسهم } . قال قتادة : احتساباً ، وقال الشعبي والكلبي : تصديقاً من أنفسهم ، أي يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله ، يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا ، وقيل : على يقين بإخلاف الله عليهم . وقال عطاء ومجاهد : يثبتون أي يضعون أموالهم .

قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان لله أمضى ، وإن كان يخالطه شك أمسك ، وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت ، كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلاً " أي تبتل .

قوله تعالى : { كمثل جنة } . أي بستان قال المبرد والفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنة ، وإن كان فيه كرم فهو فردوس .

قوله تعالى : { بربوة } . قرأ ابن عامر وعاصم ، بربوة وإلى ربوة في سورة المؤمنين بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بضمها ، وهي المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار فلا يعلوه الماء ، ولا يعلو عن الماء ، وإنما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى .

قوله تعالى : { أصابها وابل } . مطر شديد كثير .

قوله تعالى : { فآتت أكلها } . ثمرها ، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتثقيل ، وزاد نافع وابن كثير تخفيف أكلها والأكل ، وخفف أبو عمرو ورسلنا ورسلكم ورسلهم وسبلنا .

قوله تعالى : { ضعفين } . أي أضعفت في الحمل . قال عطاء : حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين ، وقال عكرمة : حملت في السنة مرتين .

قوله تعالى : { فإن لم يصبها وابل فطل } . أي فطش ، وهو المطر الضعيف الخفيف ويكون دائماً . قال السدي : هو الندى ، وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن المخلص فيقول : كما أن هذه الجنة تريع في كل حال ولا تخلف ، سواء قل المطر أو كثر ، كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمن ولا يؤذي سواء قلت نفقته أو كثرت ، وذلك أن الطل إذا كان يدوم عمل الوابل الشديد .

قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

261

أما المنظر الثاني المقابل له في المشهد . . فقلب عامر بالإيمان ، ندي ببشاشته . ينفق ماله ( ابتغاء مرضاة الله ) . . وينفقه عن ثقة ثابتة في الخير ، نابعة من الإيمان ، عميقة الجذور في الضمير . . وإذا كان القلب الصلد وعليه ستار من الرياء يمثله صفوان صلد عليه غشاء من التراب ، فالقلب المؤمن تمثله جنة . جنة خصبة عميقة التربة في مقابل حفنة التراب على الصفوان . جنة تقوم على ربوة في مقابل الحجر الذي تقوم عليه حفنة التراب ! ليكون المنظر متناسق الأشكال ! فإذا جاء الوابل لم يذهب بالتربة الخصبة هنا كما ذهب بغشاء التراب هناك . بل أحياها وأخصبها ونماها . .

( أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ) . .

أحياها كما تحيي الصدقة قلب المؤمن فيزكو ويزداد صلة بالله ، ويزكو ماله كذلك ويضاعف له الله ما يشاء . وكما تزكو حياة الجماعة المسلمة بالإنفاق وتصلح وتنمو :

( فإن لم يصبها وابل ) . . غزير . . ( فطل ) من الرذاذ يكفي في التربة الخصبة ويكفي منه القليل !

إنه المشهد الكامل ، المتقابل المناظر ، المنسق الجزئيات ، المعروض بطريقة معجزة التناسق والأداء ، الممثل بمناظره الشاخصة لكل خالجة في القلب وكل خاطرة ، المصور للمشاعر والوجدانات بما يقابلها من الحالات والمحسوسات ، الموحي للقلب باختيار الطريق في يسر عجيب . .

ولما كان المشهد مجالا للبصر والبصيرة من جانب ، ومرد الأمر فيه كذلك إلى رؤية الله ومعرفته بما وراء الظواهر ، جاء التعقيب لمسة للقلوب :

والله بما تعملون بصير . .

/خ274

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

وهذا مثل المؤمنين المنفقين { أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه } عنهم في ذلك { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : وهم متحققون مُثَبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، ونظير هذا في المعنى ، قوله عليه السلام{[4436]} في الحديث المتفق على صحته : " من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا . . . " أي : يؤمن أن الله شرعه ، ويحتسب عند الله ثوابه .

قال الشعبي : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : تصديقا ويقينا{[4437]} . وكذا قال قتادة ، وأبو صالح ، وابن زيد . واختاره ابن جرير . وقال مجاهد والحسن : أي : يتثبتون أين يضعون{[4438]} صدقاتهم .

وقوله : { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ } أي : كمثل بستان بربوة . وهو عند الجمهور : المكان المرتفع المستوي من الأرض . وزاد ابن عباس والضحاك : وتجري فيه الأنهار .

قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات : بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق . وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال : إنها لغة تميم . وكسر الراء ، ويذكر أنها قراءة ابن عباس .

وقوله : { أَصَابَهَا{[4439]} وَابِلٌ } وهو المطر الشديد ، كما تقدم ، { فَآتَتْ أُكُلَهَا } أي : ثمرتها{[4440]} { ضِعْفَيْن } أي : بالنسبة إلى غيرها من الجنان . { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } قال الضحاك : هو الرَّذَاذ ، وهو اللين من المطر . أي : هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدًا ؛ لأنها إن لم يصبها وابل فطل ، وأيا ما كان فهو كفايتها ، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا ، بل يتقبله الله ويكثره وينميه ، كل عامل بحسبه ؛ ولهذا قال : { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء .


[4436]:في جـ، أ، و: "صلى الله عليه وسلم".
[4437]:في و: "وتيقنا".
[4438]:في ج: "أي يضعوا".
[4439]:في جـ، أ: "فأصابها" وهو خطأ.
[4440]:في جـ، أ، و: "أي ثمرها".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 265 )

من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه نقيض ما يتقدم ذكره لتبيين حال التضاد بعرضها على الذهن ، فلما ذكر الله صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين تزكو صدقاتهم وهي على وجهها في الشرع( {[2594]} ) فضرب لها مثلاً ، وتقدير الكلام ومثل نفقة الذين ينفقون كمثل غراس جنة ، لأن المراد بذكر الجنة غراسها أو تقدر الإضمار في آخر الكلام دون إضمار نفقة في أوله ، كأنه قال : كمثل غارس جنة( {[2595]} ) ، و { ابتغاء } معناه طلب ، وإعرابه النصب على المصدر في موضع الحال( {[2596]} ) . وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله . لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو { وتثبيتاً } عليه . ولا يصح في { تثبيتاً } أنه مفعول من أجله ، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت . وقال مكي في المشكل( {[2597]} ) : كلاهما مفعول من أجله وهو مردود بما بيناه ، و { مرضاة } مصدر من رضي يرضى ، وقال الشعبي والسدي وقتادة وابن زيد وأبو صالح : { وتثبيتاً } معناه وتيقناً ، أي إن نفوسهم لها بصائر متأكدة فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتاً( {[2598]} ) ، وقال مجاهد والحسن : معنى قوله : { وتثبيتاً } أي إنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم ؟ وقال الحسن كأن الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان ذلك لله أمضاه وإن خالطه شك أمسك ، والقول الأول أصوب . لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد والحسن إنما عبارته وتثبتاً ، فإن قال محتج إن هذا من المصادر التي خرجت على غير المصدر كقوله تعالى : { وتبتل إليه تبتيلاً }( {[2599]} ) [ المزمل : 8 ] ، وكقوله : { أنبتكم من الأرض نباتاً }( {[2600]} ) [ نوح : 17 ] فالجواب لا يسوغ إلا مع ذكر المصدر والإفصاح بالفعل المتقدم للمصدر ، وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول أحمله على فعل كذا وكذا لفعل لم يتقدم له ذكر ، هذا مهيع كلام العرب فيما علمت ، وقال قتادة : { وتثبيتاً } معناه وإحساناً من أنفسهم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو القول الأول ، والجنة البستان وهي قطعة أرض نبتت فيها الأشجار حتى سترت الأرض ، فهي من لفظ الجن والجنن والجنة وجن الليل ، والربوة ما ارتفع من الأرض ارتفاعاً يسيراً معه في الأغلب كثافة التراب وطيبه وتعمقه ، وما كان كذلك فنباته أحسن ، ورياض الحزن ليس من هذا كما زعم الطبري( {[2601]} ) ، بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسميه أبرد وأرق ، ونجد يقال له الحزن ، قول ما يصلح هواء تهامه إلا بالليل ، وللذلك قالت الأعرابية : زوجي كليل تهامة( {[2602]} ) ، وقال ابن عباس : الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار .

{ قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه } : وهذا إنما أراد به هذه الربوة المذكورة في كتاب الله ، لأن قوله تعالى : { أصابها وابل } إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار ، ولم يرد ابن عباس أن جنس الربا لا يجري فيها ماء ، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين ، والمعروف في كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر ، وقال الحسن : الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء ، وهذا أيضاً أراد أنها ليست كالجبل والظرب( {[2603]} ) ونحوه ، قال الخليل أرض مرتفعة طيبة وخص( {[2604]} ) الله بالذكر التي لا يجري فيها ماء من حيث هي العرف في بلاد العرب فمثل لهم بما يحسونه كثيراً ، وقال السدي { بربوة } أي برباوة وهو ما انخفض من الأرض ، قال أبو محمد : وهذه عبارة قلقة( {[2605]} ) ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد ، يقال «رُبوة » بضم الراء وبها قرأ ابن كثير وحمزة الكسائي ونافع وأبو عمرو . ويقال «رَبوة » بفتح الراء وبها قرأ عاصم وابن عامر ، وكذلك خلافهم في سورة المؤمنين( {[2606]} ) ، ويقال رِبوة بكسر الراء وبها قرأ ابن عباس فيما حكي عنه . ويقال رَباوة بفتح الراء والباء وألف بعدها ، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن ، ويقال رباوة بكسر الراء وبها قرأ الأشهب العقيلي ، { وآتت } معناه أعطت ، و «الأُكْل » بضم الهمزة وسكون الكاف الثمر الذي يؤكل ، والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل ، وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص كسرج الدابة وباب الدار ، وإلا فليس الثمر مما تأكله الجنة ، وقرأ ابن كثير( {[2607]} ) ونافع وأبو عمرو «أُكْلُها » بضم الهمزة وسكون الكاف ، وكذلك كل مضاف إلى مؤنث وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أكله أو كان غير مضاف إلى غير مكنى( {[2608]} ) مثل أكل خمط فثقل أبو عمرو ذلك ، وخففاه ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في جميع ما ذكرناه ، بالتثقيل . ويقال أكل وأكل بمعنى ، وهو من أكل بمنزلة الطعمة من طعم ، أي الشيء الذي يطعم ويؤكل ، و { ضعفين } معناه : اثنين مما يظن بها ويحرز من مثلها ، ثم أكد تعالى مدح هذه الربوة بأنها { إن لم يصبها وابل } فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل ، وذلك لكرم الأرض ، والطل المستدق من القطر الخفيف ، قاله ابن عباس وغيره ، وهو مشهور اللغة ، وقال قوم الطل الندى ، وهذا تجوز وتشبيه( {[2609]} ) ، وقد روي ذلك عن ابن عباس . قال المبرد : تقديره { فطلٌّ } يكفيها( {[2610]} ) . وقال غيره التقدير : فالذي أصابهم طل ، فشبه نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربى الله صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل حسب الحديث بنمو نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة ، وذلك كله بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلداً ، وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } وعد ووعيد ، وقرأ الزهري يعملون بالياء كأنه يريد به الناس أجمع . أو يريد المنفقين فقط فهو وعد محض .


[2594]:- يريد تركوها على وجهها الشرعي من دون إيذاء ولا رياءٍ.
[2595]:- معناه أن المضاف إليه يقدر ولا بد، إما في المشبه، وإما في المشبه به رعاية للتناسب.
[2596]:- أي مبتغين رضى الله، ومثبتين على الإنفاق في طاعة الله.
[2597]:- هو كتاب لمكي بن أبي طالب القيرواني أصلا، القرطبي النحوي اللغوي المقرئ سماه "مشكل غريب القرآن"، في ثلاثة أجزاء.
[2598]:- المراد أنه لا محرك له إلا نفسه. وهذا التفسير هو الأحسن.
[2599]:- من الآية رقم (8) من سورة المزمل.
[2600]:- من الآية رقم (17) من سورة نوح.
[2601]:- يعني أن رياض الحزْن (وهي الأرض الغليظة الخشنة) غير رياض الرُّبا ورياض الحَزْن تعني رياض نجد التي تغنَّى بها الشعراء، وهي أجود وأطيب من رياض تهامة.
[2602]:- وهي المرأة الرابعة في حديث "أم زرع" المشهور.
[2603]:- الجبل المنبسط المستوي، والظاهر أن المراد بالربوة أرض طيبة مستوية ومرتفعة قليلا لا مسنمة، بحيث يستقر الماء عليها، وإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وبهذا يجتمع كلامهم، والله أعلم.
[2604]:- يعني أن الربوة في كلام العرب بعامة – وفي بلاد العرب – خاصة بالتي لا يجري فيها ماء، والقرآن هنا جاء على ما يحسونه في بلادهم.
[2605]:- أي غير ثابتة ولا مستقرة في موضعها، واللغات هنا خمس: ربوة مثلثة الراء، وربَاوة بفتحها وكسرها، وكلها من: ربا يربو إذا زاد، والزيادة غير الانخفاض ومن أقوالهم: وما زالت تخفضني أرض وترفعني أرض حتى وصلت إليكم.
[2606]:- مراده أن عاصما، وابن عامر قرآ قوله تعالى: [كمثل جنة بربوة] وقوله تعالى في سورة المؤمنون [وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين] بفتح الراء، والباقون قرؤوا في الموضعين بالضم. والسورة اسمها سورة (المؤمنون).
[2607]:- حاصله أن نافعا وابن كثير يقرآن بإسكان الكاف وتخفيفه في الجميع، وحمزة والكسائي وعاصم يقرؤون بضم الكاف وتثقيله في الجميع، وأما أبو عمرو فإنه يقرأ في غير ما أُضيف إلى ضمير المؤنث بالضم وفي المضاف إلى ضمير المؤنث بالإسكان نحو [فآتت أكلها ضعفين] [أُكُلُهَا دائم وظِلّها] [تؤتي أُكُلَها كلَّ حين].
[2608]:- أي إلى غير ضمير.
[2609]:- يريد أن الندى في اللغة هو ما يسقط آخر الليل من البلل ثم شبه به وأُطلق عليه.
[2610]:- إنما قدر ذلك ليكون الجواب جملة، وكونه جواب الشرط هو المسوغ للابتداء بالنكرة.