المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

33- ولكلٍّ من الرجال والنساء جعلنا مستحقين لتركتهم يكونون خلفاء لهم ، وهم الوالدان والأقربون والذين عقد المتوفى لهم عقداً مقتضاه أن يرثوه إذا مات من غير قرابة ، وينصروه إذا احتاج إلى نصرتهم في مقابل ذلك ، فآتوا كل ذي حق حقه ولا تنقصوه شيئاً ، إن الله كان رقيباً على كل شيء ، حاضراً معكم ، يشهد ما تتصرفون به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

قوله تعالى : { ولكل جعلنا موالي } . أي : ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي ، أي : عصبة يعطون .

قوله تعالى : { مما ترك الوالدان والأقربون } ، الوالدان والأقربون هم المورثون ، وقيل : معناه ( ولكل جعلنا موالي ) . أي : ورثة ، ( مما ترك ) . أي : من الذين تركوهم ، ويكون " ما " بمعنى " من " ثم فسر الموالي فقال : ( الوالدان والأقربون ) . أي هم الوالدان والأقربون ، فعلى هذا القول : { الوالدان والأقربون } هم الوارثون .

قوله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم } ، قرأ أهل الكوفة { عقدت } بلا ألف ، أي : عقدت لهم أيمانكم ، وقرأ الآخرون : { عقدت أيمانكم } . والمعاقدة : المحالفة ، والمعاهدة ، والأيمان جمع يمين ، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك ، وثأري ثأرك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من مال الحليف ، وكان ذلك في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى : { فآتوهم نصيبهم } أي : أعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ الأحزاب :6 ] . وقال إبراهيم ومجاهد : أراد ( فآتوهم نصيبهم ) من النصر والرفد ، ولا ميراث لهم ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى : { أوفوا بالعقود } [ المائدة :1 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة : { لا تحدثوا حلفاً في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا فيه فإنه لم يزيده الإسلام إلا شدة } . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم فلما نزلت { ولكل جعلنا موالي } نسخت ، ثم قال : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } من النصر ، والرفادة ، والنصيحة . وقد ذهب الميراث فيوصي له . وقال سعيد بن المسيب : كانوا يتوارثون التبني وهذه الآية فيه ثم نسخ . { إن الله كان على كل شيء شهيداً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

24

والآن نجيء إلى النص الأخير في هذه الفقرة ؛ وهو ينظم التصرف في عقود الولاء التي سبقت أحكام الميراث . هذه الأحكام التي حصرت الميراث في القرابة . بينما عقود الولاء كانت تجعلها كذلك في غير القرابة على ما سيأتي بيانه :

ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ؛ والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم . إن الله كان على كل شيء شهيدًا . .

بعد أن ذكر أن للرجال نصيبًا مما اكتسبوا ، وللنساء نصيبًا مما اكتسبن . . وبين - فيما سلف - أنصبة الذكور والإناث في الميراث . . ذكر أن الله جعل لكل موالي من قرابته يرثونه . يرثونه مما آل اليه من الوالدين والأقربين . . فالمال يظل يتداول بهذا الإرث جيلا بعد جيل . يرث الوارثون ثم يضمون إلى ميراثهم ما يكتسبون ؛ ثم يرثهم من يلونهم من الأقربين . . وهي صورة تمثل دورة المال في النظام الإسلامي ؛ وأنها لا تقف عند جيل ؛ ولا تتركز في بيت ولا فرد . . إنما هو التوارث المستمر ، والتداول المستمر ، وحركة التوزيع الدائبة ؛ وما يتبعها من تعديل في المالكين ، وتعديل في المقادير ، بين الحين والحين . .

ثم عطف على العقود ، التي أقرتها الشريعة الإسلامية والتي تجعل الإرث يذهب أحيانًا إلى غير الأقرباء وهي عقود الموالاة . . وقد عرف المجتمع الإسلامي أنواعًا من هذه العقود :

الأول عقد ولاء العتق ، وهو النظام الذي يصبح بمقتضاه الرقيق - بعد عتقه - بمنزلة العضو في أسرة مولاه [ مولى العتق ] فيدفع عنه المولى الدية ، إذا ارتكب جناية توجب الدية - كما يفعل ذلك حيال أقربائه من النسب - ويرثه إذا مات ولم يترك عصبة . .

والثاني عقد الموالاة . وهو النظام الذي يبيح لغير العربي - إذا لم يكن له وارث من أقاربه - أن يرتبط بعقد مع عربي هو [ مولى الموالاة ] . فيصبح بمنزلة عضو في أسرة مولاه . يدفع عنه المولى الدية - إذا ارتكب جناية توجب الدية - ويرثه إذا مات .

والنوع الثالث ، هو الذي عقده النبي [ ص ] أول العهد بالمدينة ، بين المهاجرين والأنصار . فكان المهاجر يرث الأنصاري ، مع أهله - كواحد منهم - أو دون أهله إن كانوا مشركين فصلت بينهم وبينه العقيدة . .

والنوع الرابع . . كان في الجاهلية ، يعاقد الرجل الرجل ، ويقول : " وترثني وأرثك " . .

وقد جعل الإسلام يصفي هذه العقود ؛ وبخاصة النوعين الثالث والرابع . بتقرير أن الميراث سببه القرابة . والقرابة وحدها . ولكنه لم يبطل العقود التي سبق عقدها . فأمضاها على ألا يجدد سواها . وقال الله سبحانه :

( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) .

وشدد في هذا وأشهد الله على العقد وعلى التصرف فيه :

إن الله كان على كل شيء شهيدًا . .

وقال رسول الله [ ص ] :

" لا حلف في الإسلام . وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " [ رواه أحمد ومسلم ] .

وقد سار الإسلام في تصفية هذه العقود سيرته في كل ما يتعلق بالأنظمة المالية ، في علاجه لها - بدون أثر رجعي - فهكذا صنع في الربا حين أبطله . أبطله منذ نزول النص ، وترك لهم ما سلف منه ؛ ولم يأمر برد الفوائد الربوية . وإن كان لم يصحح العقود السابقة على النص ، ما لم يكن قد تم قبض تلك الفوائد . فأما هنا فقد احترم تلك العقود ؛ على ألا ينشأ منها جديد . لما يتعلق بها - فوق الجانب المالي - من ارتباطات أخذت طابع العضوية العائلية بتشابكاتها الكثيرة المعقدة . فترك هذه العقود القائمة تنفذ ؛ وشدد في الوفاء بها ؛ وقطع الطريق على الجديد منها ؛ قبل أن تترتب عليه أية آثار تحتاج إلى علاج !

وفي هذا التصرف يبدو التيسير ، كما يبدو العمق والإحاطة والحكمة والشمول ، في علاج الأمور في المجتمع . حيث كان الإسلام يصوغ ملامح المجتمع المسلم يومًا بعد يوم ؛ ويمحو ويلغي ملامح الجاهلية في كل توجيه وكل تشريع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } : ولكلكم أيها الناس جعلنا موالي ، يقول : ورثة من بني عمه وإخوته وسائر عصبته غيرهم . والعرب تسمي ابن العمّ المولى ، ومنه قول الشاعر :

وَمَوْلًى رَمَيْنا حَوْلَهُ وَهُوَ مُدْغِلٌ ***بِأعْرَاضِنا والمُنْدِياتُ سُرُوعُ

يعني بذلك : وابن عمّ رمينا حوله . ومنه قول الفضل بن العباس :

مَهْلاً بِنَى عَمّنا مَهْلاً مَوالِينا ***لا تُظْهرِنّ لنَا ما كانَ مَدْفُونا

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا إدريس ، قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } قال : ورثة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ } قال : الموالي : العصبة ، يعني : الورثة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ } قال : الموالي : العصبة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : { وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ } قال : هم الأولياء .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَلِكُلّ جَعَلنا مَوَالِيَ } يقول : عصبة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } قال : الموالي : أولياء الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيرهما من العصبة .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } أما موالي : فهم أهل الميراث .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } قال : الموالي : العصبة هم كانوا في الجاهلية الموالي ، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم أسما ، فقال الله تبارك وتعالى : { فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ } فسموا الموالي . قال : والمولى اليوم موليان : مولى يرث ويورث فهؤلاء ذوو الأرحام ، ومولى يورث ولا يرث فهؤلاء العَتَاقة¹ وقال : ألا ترون قول زكرياء : { وَإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي } ؟ فالموالي ههنا : الورثة ويعني بقوله : { مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ } : مما تركه والده وأقرباؤه من الميراث .

فتأويل الكلام : ولكلكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثون به مما ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } .

اختلفت القراءة في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : { وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } بمعنى : والذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم ، وهي قراءة عامة قراء الكوفيين . وقرأ ذلك آخرون : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » بمعنى : والذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلِف بينكم وبينهم .

قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنى واحد وفي دلالة قوله : { أيمَانُكُمْ } على أنها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف ، مستغنى عن الدلالة على ذلك بقراءة قوله «عقدت » ، «عاقدت » ، وذلك أن الذين قرءوا ذلك «عاقدت » ، قالوا : لا يكون عقد الحلف إلا من فريقين ، ولا بدّ لنا من دلالة في الكلام على أن ذلك كذلك ، وأغفلوا موضع دلالة قوله : «أيمانكم » ، على أن معنى ذلك : أيمانكم وأيمان المعقود عليهم ، وأن العقد إنما هو صفة للأيمان دون العاقدين الحلف ، حتى زعم بعضهم أن ذلك إذا قرىء : { عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } فالكلام محتاج إلى ضمير صلة في الكلام حتى يكون الكلام معناه : والذين عقدت لهم أيمانكم ذهابا منه عن الوجه الذي قلنا في ذلك من أن الأيمان معنىّ بها أيمان الفريقين وأما «عاقدت أيمانكم » ، فإنه في تأويل : عاقدت أيمان هؤلاء أيمان هؤلاء الحلف ، فهما متقاربان في المعنى ، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك : { عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } بغير ألف ، أصحّ معنى من قراءة من قرأه : «عَاقَدَتْ » للذي ذكرنا من الدلالة على المعنىّ في صفة الأيمان بالعقد على أنها أيمان الفريقين من الدلالة على ذلك بغيره . وأما معنى قوله : { عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } فإنه وصلت وشدّتْ ووكّدت أيمانكم ، يعني : مواثيقكم التي واثق بعضهم بعضا ، فآتوهم نصيبهم .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى النصيب الذي أمر الله أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضا في الإسلام ، فقال بعضهم : هو نصيبه من الميراث لأنهم في الجاهلية كانوا يتوارثون ، فأوجب الله في الإسلام من بعضهم لبعض بذلك الحلف ، وبمثله في الإسلام من الموارثة مثل الذي كان لهم في الجاهلية ، ثم نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسن بن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرمة والحسن البصريّ ، في قوله : { وَالّذِينَ عَاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا } قال : كان الرجل يحالف الرجل ، ليس بنيهما نسب ، فيرث أحدهما الاَخر ، فنسخ الله ذلك في الأنفال ، فقال : { وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعضٍ في كِتابِ اللّهِ } .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قول الله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » قال : كان الرجال يعاقد الرجل فيرثه ، وعاقد أبو بكر رضي الله عنه مولى فورثه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، ثني معاوية ، عن علي بن طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الاَخر ، فأنزل الله : { وأُلُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُهَاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُم مَعْرُوفا } يقول : إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز ن ثلث مال الميت ، وذلك هو المعروف .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إنّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا » كان الرجل يعاقد الرجلَ في الجاهلية ، فيقول : دمى دمك ، وهَدَمي هَدَمُ ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك . فجعل له السدس من جميع المال في الإسلاك ، ثم يقسم أهل الميرات ميراثهم ، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال ، فقال الله : { وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : «وَالّذِينَ عَاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » قال : كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمى دمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك¹ فلما جاء الإسلام ، بقي منهم ناس ، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ، ثم نسخ ذلك بالميراث ، فقال : { وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحاجاج بن المنهال ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : سمعت قتادة يقول في قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل في الجاهلية ، فيقول : هدمى هدمك ، ودمي دمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك . فجعل له السدس من جميع المال ، ثم يقتسم أهل الميراث ميراثهم ، فنسخ ذلك بعد الأنفال ، فقال : { وأولُوا الأرْحَامِ بَعْضَهُمُ أوْلَى بِبَعْضِ في كِتَابِ اللّهِ } فصارت المواريث لذوي الأرحام .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال : هذا حلف كان في الجاهلية ، كان الرجل يقول للرجل : ترثني وأرثك ، وتنصرني وأنصرك ، وتعقل عني وأعقل عنك .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » كان الرجل يتبع الرجل فيعاقده : إن متّ فلك مثل ما يرث بعض ولدي وهذا منسوخ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : «وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدانِ والأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ » فإن الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل ، فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث ، وبقي تابعه ليس له شيء ، فأنزل الله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » فكان يعطَى من ميراثه ، فأنزل الله بعد ذلك : { وأُولُوا الأرْحامٍ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ في كِتاب اللّهِ } .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الاَية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ، فكان بعضهم يرث بعضا بتلك المؤاخات ثم نسخ الله ذلك بالفرائض ، وبقوله : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِىَ ممّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقْرَبُونَ } . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا إدريس بن يزيد ، قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوّة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت هذه الاَية : { وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِيَ } نسخت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكْم » الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } إذا لم يأت رحم يحول بينهم ، قال : وهو لا يكون اليوم ، إنما كان في نفر آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانقطع ذلك ، ولا يكون هذا لأحد إلا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، كان آخى بين المهاجرين والأنصار واليوم لا يؤاخي بين أحد .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الاَية في أهل العقد بالحلف ، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا إدريس الأودي ، قال : حدثنا طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «وَالّذِين عَقَدَتْ إيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ » من النصر والنصيحة والرفادة ، ويوصي لهم ، وقد ذهب الميراث .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } قال : كان حِلْفٌ في الجاهلية ، فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والمشورة ، ولا ميراث .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد أنه قال في هذه الاَية : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » من العون والنصر والخلف .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله الله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » قال : كان هذا حلفا في الجاهلية ، فما كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة ، ولا ميراث .

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ابن جريج : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : هو الحلف عقدت أيمانكم ، قال : وأتوهم نصيبهم ، قال : النصر .

حدثني زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ابن جريج : أخبرني عطاء ، قال : هو الحلف ، قال : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } قال : العقل والنصر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » قال : لهم نصيبهم من النصر والرفادة والعقل . .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ » قال : هم الحلفاء .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن خصيف ، عن عكرمة ، مثله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : «وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » أما عاقدت أيمانكم فالحلف كان الرجل في الجاهلية ينزل في القوم فيحالفونه على أنه منهم يواسونه بأنفسهم ، فإذا كان لهم حقّ أو قتال كان مثلهم ، وإذا كان له حقّ أو نصرة خذلوه¹ فلما جاء الإسلام سألوا عنه ، وأبي الله إلا أن يشدده ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ يَزِدِ الإسْلامُ الحُلَفاءَ إلاّ شِدّةً » .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الاَية في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية ، فأمروا بالإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصية . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : ثنى سعيد بن المسيب ، أن الله قال : «وَلِكُلّ جَعَلْنا مَوَالِىَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عاقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » قال سعيد بن المسيب : إنما نزلت هذه الاَية في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم ، فأنزل الله فيهم ، فجعل لهم نصيبا في الوصية ، وردّ الميراث إلى الموالي في ذوي الرحم والعصبة ، وأبي الله للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبّناهم ، ولكن الله جعل لهم نصيبا في الوصية .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله : { وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيَمانُكُمْ } قول من قال : والذين عقدت أيمانكم على المحالفة ، وهم الحلفاء ، وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق ، على نحو ما قد ذكرنا من الرواية في ذلك . فإذ كان الله جلّ ثناؤه إنما وصف الذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم ، وكانت مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار ، لم تكن بينهم بأيمانهم ، وكذلك التبني¹ كان معلوما أن الصواب من القول في ذلك قول من قال : هو الحلف دون غيره لما وصفنا من العلة .

وأما قوله : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } فإن أولى التأويلين به ، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثابت ، وذلك إيتاء أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة والرأي دون الميراث ، وذلك لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «لا حِلْفَ في الإسْلامِ ، وما كَانَ مِنْ حِلْفٍ في الجَاهِلِيّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً » .

حدثنا بذلك أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل بن يونس ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حِلْفَ في الإسْلامِ ، وكُلّ حِلْف كانَ في الجاهِلِيَةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً ، وَما يَسُرّني أنّ لي حُمْرَ النّعَمِ وأنّى نَقَضْتُ الحِلْفَ الّذِي كانَ فِي دَارِ النّدْوَةِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم الضبيّ : أن قيس بن عاصم سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحلف ، فقال : «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ ، وَلَكنْ تَمَسّكُوا بِحِلْفِ الجاهِلِيّةِ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم ، عن قيس بن عاصم أنه سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحلف قال : فقال : «ما كانَ مِنْ حِلْفِ فِي الجاهِلِيّةِ فَتَمَسّكُوا بِهِ وَلا حِلْفَ فِي الإسْلامِ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن داود بن أبي عبد الله ، عن ابن جدعان ، عمن حدثه ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ ، وَما كانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الجاهِلِيّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً » .

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا حسين المعلم . وحدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حسين المعلم . وحدثنا حاتم بن بكر الضبيّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن حسين المعلم ، قال : حدثنا أبي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة : «فُوا بِحِلْفٍ ، فإنّهُ لا يَزِيدُهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً ، وَلا تُحْدِثُوا حِلْفا في الإسْلامِ » .

حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد الله الصفار ، قالا : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال : ثنى سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جبير بن مطعم : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لا حِلْفَ فِي الإسْلامِ ، وأيّمَا حِلْفٍ كانَ فِي الجاهِلِيّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً » .

حدثنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى ، قالا : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «شَهِدْتُ حِلْفَ المُطَيّبِينَ وأنا غُلامٌ مَعَ عُمُومَتِي ، فَمَا أُحِبّ أنّ لي حُمْرَ النّعَمِ وأَنّي أنْكُثُهْ » زاد يعقوب في حديثه عن ابن علية ، قال : وقال الزهري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ يُصِبِ الإسْلامُ حِلْفا إلاّ زَادَهُ شِدّةً » قال : «ولا حِلْفَ في الإسْلامِ » ، قال : وقد ألّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار .

حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، قال : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ، قام خطيبا في الناس ، فقال : «يا أيّها النّاسُ ما كانَ مِنْ حِلْف في الجاهِلِيّةِ فإنّ الإسْلامَ لَمْ يَزِدْهُ إلاّ شِدّةً ، وَلا حِلْفَ فِي الإسْلام » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحرث عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه .

فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا ، وكانت الاَية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ ، غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ مع اختلاف المختلفين فيه ، ولوجوب حكمها ونفي النسخ عنه وجه صحيح إلا بحجة يجب التسليم لها لما قد بينا في غير موضع من كتبنا الدلالة على صحة القول بذلك ، فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله : { وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ } هو ما ذكرنا من التأويل ، وهو أن قوله : { عَقَدَتْ أيمَانُكُمْ } مِن الحلف ، وقوله : { فَآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ } من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي على ما أمره به من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرناه عنه ، دون قول من قال : معنى قوله : { فآتُوهُمْ نَصيبَهُمْ } من الميراث ، وإن ذلك كان حكما ، ثم نسخ بقوله : { وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتاب اللّهِ } دون ما سوى القول الذي قلناه في تأويل ذلك . وإذا صحّ ما قلنا في ذلك وجب أن تكون الاَية محكمة لا منسوخة .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيّءٍ شَهِيدا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فآتوا الذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرأي ، فإن الله شاهد على ما تفعلون من ذلك وعلى غيره من أفعالكم ، مراع لكل ذلك حافظ ، حتى يجازي جميعكم على جميع ذلك جزاءه ، أما المحسن منكم المتبع أمري وطاعتي فبالحسنى ، وأما المسيء منكم المخالف أمري ونهى فبالسوأي . ومعنى قوله : { شَهِيدا } : ذو شهادة على ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

«كل » إنما تستعمل مضافة ظهر المضاف إليه أو تقدر ، فهي بمثابة قبل وبعد ، ولذلك أجاز بعض النحاة مررت بكل ، على حد قبل وبعد ، فالمقدر هنا على قول فرقة ، ولكل أحد وعلى قول فرقة «ولكل شيء » يعني : التركة ، والمولى في كلام العرب : لفظة يشترك فيها القريب القرابة ، والصديق ، والحليف ، والمعتَق ، والمعتِق ، والوارث ، والعبد ، فيما حكى ابن سيده ، ويحسن هنا من هذا الاشتراك الورثة ، لأنها تصلح على تأويل «ولكل أحد » ، وعلى تأويل ، «ولكل شيء » وبذلك فسر قتادة والسدي وابن عباس وغيرهم : أن «الموالي » : العصبة والورثة ، قال ابن زيد : لما أسلمت العجم سموا موالي استعارة وتشبيهاً ، وذلك في قول الله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم }{[3992]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد سمي قوم من العجم ببني العم ، و { مما } متعلقة «بشيء » ، تقديره ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة ، وهي متعلقة على تأويل «ولكل أحد » بفعل مضمر تقديره : ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون ، ويحتمل على هذا أن تتعلق «من » ب { موالي } ، وقوله : { والذين } رفع بالابتداء والخبر في قوله : { فآتوهم } وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر «عاقدت » على المفاعلة أي : أيمان هؤلاء عاقدت أولئك ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «عقَدت » بتخفيف القاف على حذف مفعول ، تقديره : عقدت إيمانكم حلفهم أو ذمتهم ، وقرأ حمزة في رواية على ابن كيشة{[3993]} عنه «عقّدت » مشددة القاف ، واختلف المتأولون في من المراد ب { الذين } ، فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم : هم الأحلاف ، فإن العرب كانت تتوارث بالحلف فشدد الله ذلك بهذه الآية ، ثم نسخه بآية الأنفال { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }{[3994]} وقال ابن عباس أيضاً : هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم ، فإنهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم .

قال القاضي أبو محمد : وورد لابن عباس : أن المهاجرين كانوا يرثون الأنصار دون ذوي رحمهم ، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فنزلت الآية في ذلك ناسخة ، وبقي إيتاء النصيب من النصر والمعونة ، أو من المال على جهة الندب في الوصية ، وقال سعيد بن المسيب : هم الأبناء الذين كانوا يتبنون ، والنصيب الذي أمر الناس بإيتائه هو الوصية لا الميراث ، وقال ابن عباس أيضاً : هم الأحلاف إلا أن النصيب هو المؤازرة في الحق والنصر والوفاء بالحلف لا الميراث ، وروي عن الحسن : أنها في قوم يوصى لهم فيموت الموصى له قبل نفوذ الوصية ووجوبها فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصى له .

قال القاضي أبو محمد : ولفظة المعاقدة والأيمان ترجح أن المراد الأحلاف لأن ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان ، و { شهيداً } معناه : أن الله شهيد بينكم على المعاقدة والصلة ، فأوفوا بالعهد بحسب ذلك مراقبة ورهبة .


[3992]:- من الآية (5) من سورة (الأحزاب).
[3993]:- قال معلق القرطبي: "كذا في ابن عطية، والبحر، والأصول، إلا: د. فابن كيسة، وهو علي بن زيد بن كيسة، ولعله الصواب كما في: طبقات القراء والتاج".
[3994]:- من الآية (75) من سورة (الأنفال) ومن الآية (6) في سورة (الأحزاب).