الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس { ولكل جعلنا موالي } قال : ورثة { والذين عقدت أيمانكم } قال : كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت { ولكل جعلنا موالي } نسخت ، ثم قال { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } من النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث ويوصي له .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس { ولكل جعلنا موالي } قال : عصبة { والذين عقدت أيمانكم } قال : كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر ، فأنزل الله ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) ( الأحزاب الآية 6 ) يقول : إلا أن يوصوا إلى أوليائهم الذين عاقدوا وصية ، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وهو المعروف .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولكل جعلنا موالي } قال : الموالي . العصبة ، هم كانوا في الجاهلية الموالي ، فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما . فقال الله ( فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) ( الأحزاب الآية 5 ) فسموا الموالي .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين عقدت أيمانكم } قال : كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ، يقول : ترثني وأرثك ، وكان الأحياء يتحالفون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة ، ولا عقد ولا حلف في الإسلام نسختها هذه الآية ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ( الأحزاب الآية 6 ) " .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : كان الرجل يعاقد الرجل فيرث كل واحد منهما صاحبه ، وكان أبو بكر عاقد رجلا فورثه .

وأخرج أبو داود وابن جرير وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس في قوله { والذين عقدت أيمانكم } قال : كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الأخر ، فنسخ في ذلك في الأنفال فقال : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ( الأحزاب الآية 6 ) .

وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول : دمي دمك ، وهدمي هدمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك . فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم . فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) فقذف ما كان من عهد يتوارث به وصارت المواريث لذوي الأرحام .

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث ، وبقي تابعا ليس له شيء . فأنزل الله { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } فكان يعطي من ميراثه ، فأنزل الله بعد ذلك ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { والذين عقدت أيمانكم } الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم { فآتوهم نصيبهم } إذا لم يأت رحم يحول بينهم . قال : وهو لا يكون اليوم ، إنما كان نفر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وانقطع ذلك ، وهذا لا يكون لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، كان آخى بين المهاجرين والأنصار ، واليوم لا يؤاخى بين أحد .

وأخرج ابن جرير والنحاس عن سعيد بن المسيب قال : إنما أنزلت هذه الآية في الحلفاء ، والذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم . فأنزل الله فيهم ، فجعل لهم نصيبا في الوصية ، ورد الميراث إلى الموالي في ذم الرحم والعصبة .

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس عن مجاهد { ولكل جعلنا موالي } قال : العصبة { والذين عقدت أيمانكم } قال : الحلفاء { فآتوهم نصيبهم } قال : من العقل والنصر والرفادة .

وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم عن داود بن الحصين قال : كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع ، وكانت يتيمة في حجر أبي ، فقرأت عليها { والذين عقدت أيمانكم } فقالت : لا ولكن { والذين عقدت أيمانكم } إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم ، فحلف أبو بكر أن لا يورثه ، فلما أسلم أمره الله أن يورثه نصيبه .

وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد ، أنه كان يقرأ " عقدت أيمانكم " .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم . أنه قرأ { والذين عقدت } خفيفة بغير ألف .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كان الرجل في الجاهلية يأتي القوم فيعقدون له ، أنه منهم إن كان ضرا أو نفعا أو دما فإنه فيهم مثلهم ، ويأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه ، فكانوا إذا كان قتال قالوا : يا فلان أنت منا فانصرنا ، وإن كانت منفعة قالوا : أعطنا أنت منا ، ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إن استنصر ، وإن نزل به أمر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم ، ولم يعطوه مثل الذين يأخذون منه .

فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه وتحرجوا من ذلك وقالوا : قد عاقدناهم في الجاهلية . فأنزل الله { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } قال : " أعطوهم مثل الذي تأخذون منهم " .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي مالك { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } قال : هو حليف القوم يقول : أشهدوه أمركم ومشورتكم .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد الفتح : " فوا بحلف الجاهلية ، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة ، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير والنحاس عن جبير بن مطعم . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة " .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام ، وتمسكوا بحلف الجاهلية " .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه " كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا جدة وشدة " .