الآية 33 وقوله تعالى : { ولكل جعلنا مولي مما ترك الوالدان والأقربون } احتمل هذا والله أعلم ، ان يكون معطوفا مردودا إلى قوله س بحانه وتعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } احتمل هذا والله أعلم ان يكون معطوفا مردودا على قوله سبحانه وتعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نثيب مما ترك } الآية ( النساء 7 ) ذكر ههنا ما يرث الراجل والنساء من الوالدين والأقربين ولم يرث الوالدان من الأولاد والأقربون بعضهم من بعض من نحو العم وابن العم وغيرهم من القرابات فذكرها هنا ليعلم أن للمولى من الميراث مما ترك الوالدان والأقربون ما لأولئك من الوالدين والأقربين إذا لم يكن أولئك أن يجعل لهؤلاء ما جعل لأولي . ولم يذكر أيضا ما للوالدين من الأولاد في قوله تعالى : { للرجال نصيب مما ترك } الآية ( النساء 180 ) ذكر الوصية للوالدين والأقربين ولم يذكر للأولاد والله أعلم لأن الرجل قد يؤثر ولده على نفسه وعلى غيره من الأقرباء ولا كذلك ( الولد للوالد ){[5433]}فذكر الوصية للوالدين والأقربين لهذا المعنى : ليصل{[5434]} إليهم المعروف . وأما الأولاد فإنهم لا يؤثرون{[5435]} على غيرهم لذلك لم يذكرهم والله أعلم .
وقيل في قوله : { ولكل جعلنا } أي بينا فيكون فيها بيان ما في الأولى من المواريث ثم قيل في الموالي : غنهم هم العصبة وقيل : هم أولياء الأب والأخ وغيرهما{[5436]} من العصبة وقيل : هي الوارثة وهو قول ابن عبا س وكله واحد .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أنه ) {[5437]} قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه ويلم : " أما أولى بالمؤمنين من تاب وترك مالا فماله لموالي العصبة ومن ترك كلا أو ضياعا فأنا وليه فلأدعى له " ) البخاري 7645 ) عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[5438]} قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه ، ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت السهام فلأولي رجل ذكر " ( البخاري 6732 ) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( أنه ) {[5439]} قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول ) {[5440]} " ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان ) " ) ( أبو داوود 2917 ) وعم عمر رضي الله عنه أنه كتب : إذ كانت العصبة أقرب فهم أحق بالمال .
وأجمع اهل العلم على أن أهل السهام إذا استوفوا سهامهم وبقي من المال شيء فإنه{[5441]} لعصبة الميت ، وهم الرجال من قرابته من قبل أبيه ومواليه ، وأنه لا يكون أحد من النساء عصبة /92- ب/ إلا أخوات من الأب والأم أو{[5442]} من الأب مع البنات او المرأة المعتقة فإن هؤلاء{[5443]} عصبة .
وأجمعوا أن كل من اتصلت قرابته من قبل النساء بالميت فليس عصبة{[5444]} وإن المرأة إذا أعتقت عبدا أو أمة فإنها عصبة بعد موت أمتها{[5445]} إلا ابن مسعود رضي الله عنه فإنه يجعل لذوي الأرحام دون الموالي .
وأجمعوا أنه إذا اجتمع عصبتان فأقربهما إلى . وأقرب العصبة الابن ثم ابن الابن ، وإن سفل ثم الأب ثم الجد وإن علا ، والأخ من الأب والأم ، ثم العم من الأب والأم ثم ابن العم من الأب ثم موالي النعمة وإن سفل فهؤلاء كلهم عصبة الميت . وأقربهم أولاهم بما فضل من المال عن أصحاب السهام المذكورة سهامهم ؛ هو والله أعلم موافق لما ذكرنا من دليل الآية والسنة وما توارث من الروايات عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
ويف قوله : { ولكل جعلنا مولى مما ترك الوالدان والأقربون } يحتمل : { ولكل } من الموالي جعلنا على إضمار نصيب أو حق في ما ترك الوالدان والأقربون فيكون تأويله قوله : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ( النساء 7 ) فيكونون هم مواليه بحق الميراث على تأويله انهم أولى مما تركوا أو على مثله { ومن ق تال فقد جعلنا مظلوما لوليه سلطانا } الإسراء 33 ) .
ووليه من يلحقه في ملكه بغيره ( في ){[5446]} قوله تعالى : { يوصيكم الله } ( النساء 11 وجميع الآيات في المواريث إلا أنه لم يذكر الوالدين في هذه الجملة ولا الزوجين ولا تدخلوا في اسم القرابة ولا الأولاد . وقد جاء بالإيجاب لهم كتاب واجتمعت عليه الأمة على غير دعوى النسخ فيه من أحد ليعلم أن التخصيص بالذكر لا يقطع حق غير .
لكنه يكون الأمر موقوفا على وجود دليله ، والله أعلم على ان في الإيجاب للأقربين وللموالي كفاية عن ذكر من ذكر غذ بهم تكون كل القرابة وبالتناكح يكون النسل وهو المجعول لذلك . وكذلك لا يسقط حق هؤلاء ولا يحجبون عن الكل بأحد وقد جرى ذكر حقهم في ما نسخته هذه الآية من الوصية ، والله أعلم .
ويحتمل قوله تعالى : { ولكل جعلنا مولى مما ترك الوالدان والأقربون } أن{[5447]} يرجع إلى الموالي إلى الذين ورثوه من تركة الأبوين والأقربين يخبر ان قد تجري المواريث في ما قد ورثت نحو ما يجري في ما لم يكن يرث مرة ، فرجع ذا على غير أولاد الأول وأقربائهم الأول ، او ان يكون المقصود في ما ترك الوالدان والأقربون بما ذكر في أبيهم { نصيبا مفروضا } ( النساء 7 أن يكون هذا في ما ترك الوالدان والأقربون مع أصحاب الفرائض . فتكون الآية حق العصبات إذ لم يذكر لهم دون ان يكون معهم أصحاب الفرائض يرثون السهام ولا بحق الفضول فيكون حمل الآية في المواريث ( في ثلاثة ) {[5448]} .
أحدهما : في أصحاب الفرائض ، وهو قوله عز وجل : { مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا } ( النساء7 ) .
والثاني : في حق العصبات وهو قوله تعالى : { ولكل جعلنا مولى } الآية .
والثالث : في حق ذوي الأرحام وهو قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } الآية ( الأنفال 75 الأحزاب 6 ) .
ثم ألحق بهؤلاء الأبعيدن اهل العقد بقوله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } إنما ذكر ذلك في ما يترك الميت وأوجه العون ولارفد والنصر مع ما ذكر نصيبهم في التركة كما ذكر لأصحاب الفرائض ولعى ذلك المرفوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في " من أسلم على يدي آخر فإنه{[5449]} أحق الناس ( به ) {[5450]} محياه ومماته " ( أحمد 4/ 102 ) .
وكذلك روي عن عمر وعلي وعبد الله رضي الله عنهم مع ما كانت المواريث بهذا من قبل ، فنسخ بقوله تعالى : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ( الأنفال 75 والأحزاب6 ) فإذا ارتفع ذلك ذهب التناسخ فوجب لهم إذ بيت المال يرث بولاية الإيمان جملة ولهذا ملك{[5451]} الولاء له ولاية أخرى فهو أحق والله اعلم ويخلف هؤلاء من له رحم كما خلف ولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالإعتاق حق العصبة من ذي النسب بقوله عليه السلام : " الولاء لحمه كلحمة النسب " البيهقي في الكبرى 10/ 292 ) .
وقوله تعالى : { والذين عقدت إيمانكم فآتوهم نصيبهم } قيل : هو من الإيمان كان حلف في الجاهلية : يقول الرجل لآخر : يرثني وارثك وتعقل عني وأعقل عنك وتنصرني وأنصرك ويتخالفان{[5452]} على ذلك . وقد قرئ بالألف{[5453]} على عاقدتهن ففو من المخالفة . ثم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انه قال ) {[5454]} " لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الغ يلام غلا شدة " ( ابن حبان 470 ) .
وقيل : هو من يضرب اليمين ، وهو المبايعة كان الرجل يعاقد الرجل ، ويبايعه في الجاهلية فيموت فيرثه وقيل : إن أبا بكر رضي الله عنه عاقد رجلا ، فورثه ولذلك المماليك بالذكر بهذا من قوله تعالى : { وما ملكت إيمانكم } ( النساء 36 ) لانهم يشترون للخدمة والمرء{[5455]} إذا خدم نفسه إنما يخدمها بيمينه فإذا كان تأويل الآية ما ذكروا فهو منسوخ بقوله عز ولج : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ( الأنفال 75 والأحزاب 6 وبما روينا من الخبر من قوله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " .
ويحتمل ان تكون الآية في من أسلم على يدي آخر ، ووالاه على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ){[5456]} قال : " من أسلم من أهل الكفر على يدي رجل من المسلمين فهو أولى الناس به محياه ومماته ( أحمد 4/ 102 .
وروي عن معر رضي الله عنه أن رجلا سأل عن رجل أسلم على يدي رجل ويواليه قال : هو مولاه فإن أبي فلبيت المال .
وروي عن مسروق ( أنه ) {[5457]} قال : أتيت عبد الله فقلت : إن رجلا كان عاملا علينا ، فخرج على الجبل فمات وترك ثلاثمائة درهم ، فقال عبد الله : هل ترك وارثا ، او لأحد عليه ولاء ؟ فلت : لا فجعل ماله لبيت المال .
وكذلك يقول أصحابنا رحمهم اله : من تاب وترك وارثا فماله لوارثه وإن لم يكن له وارث فللذي أسلم على يديه ، ووالاه لما روينا من الخبر ؛ " هو أولى الناس به محياه ومماته " ( أحمد 4/ 102 ) وقوله " محياه " في الفعل ، " ومماته " في الميراث وما روينا من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجميعن .
وقوله تعالى : { والذين عقدت{[5458]} أيمانكم فآتوهم نصيبهم } قيل : هي الوصية إلى تمام الثلث ، لان الميراث قد نسخ بالآية التي في الأحزاب{[5459]} بقوله عز وجل : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين } وبقوله{[5460]} { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } ( الآية 6 ) فهي الوصية على تمام الثلث . فإذا كانت الآية في الذي أسلم على يديه ووالاه ، وعاقده ، فهو ليس بمنسوخ وقيل : { فآتوهم نصيبهم } من النصر والمعونة والمشورة ولا ميراث .
وقوله تعالى : { إن الله كان على كل شيء شهيدا } بما ذكر من الشرط والوفاء وبالله التوفيق .