الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

قوله ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ ) الآية [ 33 ] .

الموالي : الورثة ، يعني العصبة ، كذلك قال ابن جبير عن ابن عباس( {[12295]} ) ، وقال مجاهد( {[12296]} ) وقتادة : فالمعنى ولكلكم جعلنا عصبة يرثون ما تركتم ، ولفظ الآية عام يراد به الخصوص إذ ليس [ كل إنسان له عصبة معلومة ترثه ، وكل إنسان له عصبة غير معلومة . وقد قال مالك : كل( {[12297]} ) ] من هلك من العرب فلا يخلوا أن يكون له وارث بهذه الآية وإن لم تعرف عينه .

قوله : ( وَالذِينَ عَاقَدَتَ( {[12298]} ) اَيْمَانُكُم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمُ ) كان الرجل يحالف الرجل وليس بينه وبينه نسب يرث أحدهما الآخر ، فأمروا أن يعطوهم نصيبهم . ثم نسخ الله ذلك بالميراث بقوله ( وَأُوْلُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمُ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ( {[12299]} ) )( {[12300]} ) وقال ابن عباس : " كانت الأنصار ترث المهاجرين للأخوة التي آخى( {[12301]} ) النبي صلى الله عليه وسلم بينهم حين نزلت ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَقْرَبُونَ ) فنسخت ما كانوا عليه( {[12302]} ) .

قوله ( وَالذِينَ عَاقَدَتَ اَيْمَانُكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُم ) يعني من النصر والنصيحة والرفد( {[12303]} ) ويوصى لهم .

وقال ابن عباس وغيره : كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات قبل صاحبه ورثه ، فأنزل الله عز وجل ( وَأُوْلُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمُ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُومِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) ثم قال :

( إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً )( {[12304]} ) أي : إلا أن ترضوا للذين عاقدتم وصية ، فهي لهم جائزة من الثلث( {[12305]} ) .

والمعاقدة التي كانت بينهم هو أن يقول : دمي ودمك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتورثني وأرث بك ، فجعل في أول الإسلام السدس من المال ، ويقسمُ الباقي في الورثة ثم نسخ ذلك في الأنفال( {[12306]} ) .

وقيل( {[12307]} ) : نزلت في الذين كانوا يتبنون في الجاهلية ، فأمروا أن يوصوا لهم ونسخ فرضهم .

وقال ابن إسحاق : كان الرجل الذليل يأتي العزيز فيعاقده باليمين ويقول له : أنا ابنك ، ترثني وأرثك ، وحرمتي وحرمتك ، ودمي ودمك ، وثأري ثأرك ، فأمر الله عز وجل بالوفاء لهم قبل تسمية الميراث ، ثم نسخ بالميراث في الأنفال( {[12308]} ) .


[12295]:- انظر: المصدر السابق.
[12296]:- انظر: تفسير سفيان 93.
[12297]:- ساقط من (أ).
[12298]:- اختلف المفسرون في المراد بالمعاقدة في هذه الآية على ثلاثة أقوال: (أ) أنها المحالفة التي كانت في الجاهلية على أن يتوارثوا، أو يتناصروا أو يتعاقلوا الجناية، أو على كل ذلك. (ب) أن المعاقدة: المؤاخاة التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار. (ج): أنها نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية فأمروا أن يوصوا لهم عند الموت. انظر: جامع البيان 5/57، والإيضاح في الناسخ 191، ونواسخ القرآن 126.
[12299]:- الأنفال آية 76 والأحزاب آية 6.
[12300]:- انظر: جامع البيان 5/52.
[12301]:- (أ) (ج) أخ وهو خطأ.
[12302]:- انظر: البخاري في كتاب الفرائض 8/8 وكتاب التفسير 5/178.
[12303]:- الرفد بكسر الراء المعونة والعطية. انظر: المفردات 205 واللسان رفد 3/181.
[12304]:- الأحزاب آية 6.
[12305]:- انظر: جامع البيان 5/52.
[12306]:- هذا هو القول الراجح عند الطبري. انظر: المصدر السابق 5/55.
[12307]:- يعزى إلى سعيد بن المسيب في جامع البيان 5/54.
[12308]:- انظر: الناسخ لقتادة 39، والناسخ لابن حزم 34 والمصفى لابن الجوزي 24 وناسخ القرآن للبارزي: 30.