الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } أي ولكل واحد من الرجال والنساء موالي ، أي عصبة يرثونه { مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } من ميراثهم له ، والوالدون والأقربون على هذا التأويل هم الموروثون ، وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي ، أي قرابة من الذين تركهم ، ثم فسّر الموالي فقال : { الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } أي هم الوالدان والأقربون خبر مبتدأ محذوف فالمعنى : من تركة الوالدان والأقربون ، وعلى هذا القول هم الوارثون { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ } في محل الرفع بالإبتداء ، والمعاقدة هي المعاهدة بين اثنين .

وقرأ أهل الكوفة : عقدت خفيفة بغير ألف أراد عقدت لهم { أَيْمَانُكُمْ } وقرأت أم سعد بنت سعد بن الربيع : ( عقّدت ) بالتشديد يعني وثقته وأكدته ، والأيمان جمع يمين من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ، فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ويتحالفون عليه ، فلذلك ذكر الأيمان .

قتادة وغيره : أراد بالذين عاقدت إيمانكم الحلفاء ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمُك وهدمي هدمك وثاري ثارك وحربي وحربك وسلمي وسلمك وترثني وارثك وتطلب لي وأطلب لك وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ، وعاقد أبو بكر مولى له فورثه لذلك قوله : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي وأعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله :

{ وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] .

وقال إبراهيم ومجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والعقل والرفد ، ولا ميراث ، وعلى هذا القول تكون الآية غير منسوخة لقوله تعالى :

{ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوفوا للحلفاء بعهودهم التي عقدت أيمانكم " .

ولقوله( عليه السلام ) في خطبته يوم فتح مكة : " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلاّ شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " .

وروى عبد الرحمن بن عوف ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحب أن لي حمر النعم وإنّي أنكثه " ، وقال ابن عباس وابن زيد : نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين أتوا إلى المدينة ، وكانوا يتوارثون تلك المؤاخاة ، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض .

وقال سعيد بن المسيّب : نزلت في الذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهلية ، ومنهم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأُمروا في الإسلام ( أن ) يوصوا إليهم عند الموت بوصية ، وردّ الميراث إلى ذوي الرحم ، وأبى الله أن يجعله يجعل للمدّعى ميراثاً ممّن ادّعاهم وتبنّاهم ، ولكن جعل الله لهم نصيباً في الوصية ، فذلك قوله : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } .

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } وقال أبو روق : نزل قوله : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } الآية في أبي بكر الصديق ، وابنه عبد الرحمن ، وكان كافراً ، أن لا ينفعه ولا يورثه شيئاً من ماله ، فلمّا أسلم عبد الرحمن أُمر أن يؤتى نصيبه من المال .