غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلِكُلّٖ جَعَلۡنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَۚ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَـَٔاتُوهُمۡ نَصِيبَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (33)

31

قوله سبحانه وتعالى : { ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون } يمكن تفسيره بحيث يكون الوالدان والأقربون وارثين وبحيث يكونان موروثاً منهما .

والمعنى على الأول : لكل أحد جعلنا ورثة في تركته . ثم إنه كأنه قيل : ومَنْ هؤلاء الورثة ؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون فيحسن الوقف على قوله : { مما ترك } وفيه ضمير كل . وأما على الثاني ، فإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورثة ، وإما أن يكون { جعلنا موالي } صفة { لكل } بل محذوف والعائد محذوف وكذا المبتدأ والتقدير : ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون كما تقول : لكل من خلقه الله إنساناً من رزق الله . أي حظ من رزق الله ، والمولى لفظ مشترك بين معانٍ : منها المعتق لأنه ولي نعمته في عتقه ، ومنها العبد المعتق لاتصال ولاية مولاه في إنعامه عليه ، وهذا كما يسمى الطالب غريماً لأن له اللزوم والمطالبة بحقه ، ويسمى المطلوب غريماً لكون الدين لازماً له . ومنها الحليف لأن الحالف يلي أمره بعقد اليمين ، ومنها ابن العم لأنه يليه بالنصرة ومنه المولى للناصر قال تعالى :{ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا }[ محمد :11 ] ومنها العصبة وهو المراد في الآية إذ هو الأليق بها كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى بالمؤمنين من مات وترك مالاً فماله للموالي العصبة ، ومن ترك كلاً فأنا وليّه " . وأما قوله : { والذين عقدت أيمانكم } فإما أن يكون مبتدأ ضمن معنى الشرط ، فوقع قوله : { فآتوهم } خبره . وإما أن يكون منصوباً على قولك : " زيداً فاضربه " مما توسط الفاء بين الفعل ومفعول مفسره إيذاناً بتلازمهما وإما أن يكون معطوفاً على { الوالدان } والإيمان جمع اليمين اليد أو الحلف . من الناس من قال : الآية منسوخة . وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وهدمي هدمك أي ما يهدر ، وثأري ثأرك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله :{ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }[ الأنفال :75 ] وبقوله :{ يوصيكم الله }[ النساء :11 ] وأيضاً : إن الواحد منهم كان يتخذ إنساناً أجنبياً ابناً له وهم الأدعياء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل رجلين منهم ، فكانوا يرثون بالتبني والمؤاخاة فنسخ . ومن المفسرين من زعم أنها غير منسوخة ، وقوله : { والذين } معطوف على ما قبله . والمعنى : أن ما ترك الذين عقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به فلا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى الوارث ، فيكون الضمير في { فآتوهم } للموالي قاله أبو علي الجبائي . أو المراد بالذين عاقدت الزوج والزوجة ، والنكاح يسمى عقداً بين ميراث الزوج والزوجة بعد ميراث الولد والوالدين كما في قوله :{ يوصيكم الله }[ النساء :11 ] قاله أبو مسلم . وقيل : المراد الميراث الحاصل بسبب الولاء . وقيل : هم الحلفاء .

والمراد بإيتاء نصيبهم النصرة والنصيحة والمصافاة . وقال الأصم : المراد التحفة بالشيء القليل كقوله :{ وإذا حضر القسمة }[ النساء :8 ] وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يرث المولى الأسفل من الأعلى . وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد أنه قال : يرث ، لما روى ابن عباس أن رجلاً أعتق عبداً له فمات المعتق ولم يترك إلاّ العتيق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام . والحديث عند الجمهور محمول على أن المال صار لبيت المال ثم دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغلام لفقره ، وقال أبو حنيفة : لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث بحق الموالاة ، وخالفه الشافعي فيه . وحكى الأقطع أن هذه الموالاة لا تصح عند أبي حنيفة أيضاً إلا بين العرب دون العجم لرخاوة عقدهم في أمورهم . { إنّ الله كان على كل شيء شهيداً } لأنه عالم بجميع الجزئيات والكليات فشهد على الخلق يوم القيامة بكل ما عملوه ، وفيه وعيد للعاصين ، ووعد للمطيعين .

/خ40