قوله سبحانه وتعالى : { ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون } يمكن تفسيره بحيث يكون الوالدان والأقربون وارثين وبحيث يكونان موروثاً منهما .
والمعنى على الأول : لكل أحد جعلنا ورثة في تركته . ثم إنه كأنه قيل : ومَنْ هؤلاء الورثة ؟ فقيل : هم الوالدان والأقربون فيحسن الوقف على قوله : { مما ترك } وفيه ضمير كل . وأما على الثاني ، فإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورثة ، وإما أن يكون { جعلنا موالي } صفة { لكل } بل محذوف والعائد محذوف وكذا المبتدأ والتقدير : ولكل قوم جعلناهم موالي نصيب مما ترك الوالدان والأقربون كما تقول : لكل من خلقه الله إنساناً من رزق الله . أي حظ من رزق الله ، والمولى لفظ مشترك بين معانٍ : منها المعتق لأنه ولي نعمته في عتقه ، ومنها العبد المعتق لاتصال ولاية مولاه في إنعامه عليه ، وهذا كما يسمى الطالب غريماً لأن له اللزوم والمطالبة بحقه ، ويسمى المطلوب غريماً لكون الدين لازماً له . ومنها الحليف لأن الحالف يلي أمره بعقد اليمين ، ومنها ابن العم لأنه يليه بالنصرة ومنه المولى للناصر قال تعالى :{ ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا }[ محمد :11 ] ومنها العصبة وهو المراد في الآية إذ هو الأليق بها كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى بالمؤمنين من مات وترك مالاً فماله للموالي العصبة ، ومن ترك كلاً فأنا وليّه " . وأما قوله : { والذين عقدت أيمانكم } فإما أن يكون مبتدأ ضمن معنى الشرط ، فوقع قوله : { فآتوهم } خبره . وإما أن يكون منصوباً على قولك : " زيداً فاضربه " مما توسط الفاء بين الفعل ومفعول مفسره إيذاناً بتلازمهما وإما أن يكون معطوفاً على { الوالدان } والإيمان جمع اليمين اليد أو الحلف . من الناس من قال : الآية منسوخة . وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وهدمي هدمك أي ما يهدر ، وثأري ثأرك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله :{ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }[ الأنفال :75 ] وبقوله :{ يوصيكم الله }[ النساء :11 ] وأيضاً : إن الواحد منهم كان يتخذ إنساناً أجنبياً ابناً له وهم الأدعياء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين كل رجلين منهم ، فكانوا يرثون بالتبني والمؤاخاة فنسخ . ومن المفسرين من زعم أنها غير منسوخة ، وقوله : { والذين } معطوف على ما قبله . والمعنى : أن ما ترك الذين عقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به فلا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى الوارث ، فيكون الضمير في { فآتوهم } للموالي قاله أبو علي الجبائي . أو المراد بالذين عاقدت الزوج والزوجة ، والنكاح يسمى عقداً بين ميراث الزوج والزوجة بعد ميراث الولد والوالدين كما في قوله :{ يوصيكم الله }[ النساء :11 ] قاله أبو مسلم . وقيل : المراد الميراث الحاصل بسبب الولاء . وقيل : هم الحلفاء .
والمراد بإيتاء نصيبهم النصرة والنصيحة والمصافاة . وقال الأصم : المراد التحفة بالشيء القليل كقوله :{ وإذا حضر القسمة }[ النساء :8 ] وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يرث المولى الأسفل من الأعلى . وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد أنه قال : يرث ، لما روى ابن عباس أن رجلاً أعتق عبداً له فمات المعتق ولم يترك إلاّ العتيق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام . والحديث عند الجمهور محمول على أن المال صار لبيت المال ثم دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغلام لفقره ، وقال أبو حنيفة : لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث بحق الموالاة ، وخالفه الشافعي فيه . وحكى الأقطع أن هذه الموالاة لا تصح عند أبي حنيفة أيضاً إلا بين العرب دون العجم لرخاوة عقدهم في أمورهم . { إنّ الله كان على كل شيء شهيداً } لأنه عالم بجميع الجزئيات والكليات فشهد على الخلق يوم القيامة بكل ما عملوه ، وفيه وعيد للعاصين ، ووعد للمطيعين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.