المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

38- والذي يسرق ، والتي تسرق ، اقطعوا أيديهما جزاء بما ارتكبا ، عقوبة لهما ، وزجراً وردعاً لغيرهما . وذلك الحكم لهما من الله ، والله غالب على أمره ، حكيم في تشريعه ، يضع لكل جريمة ما تستحق من عقاب رادع مانع من شيوعها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، أراد به أيمانهما ، وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وجملة الحكم : أن من سرق نصاباً من المال من حرز لا شبهة له فيه تقطع يده اليمنى من الكوع ، ولا يجب القطع بسرقة ما دون النصاب عند عامة أهل العلم ، حكي عن الزبير أنه كان يقطع في الشيء القليل ، وعامة العلماء على خلافه . واختلفوا في القدر الذي يقطع فيه ، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقطع في أقل من ربع دينار ، فإن سرق ربع دينار أو متاعاً قيمته ربع دينار يقطع ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، والشافعي ، رحمهم الله ، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( القطع في ربع دينار فصاعدا ) .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم . وروي عن عثمان أنه قطع سارقاً في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً بدينار . وهذا قول مالك رحمه الله تعالى ، أنه يقطع في ثلاثة دراهم . وذهب قوم إلى أنه لا تقطع في أقل من دينار ، أو عشرة دراهم ، ويروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي . وقال قوم : لا يقطع إلا في خمسة دراهم . يروى ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وبه قال ابن أبي ليلى ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمر بن حفص بن غياث ، أخبرني أبي ، أنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده ) .

وقال الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد ، والحبل يرون أن منها ما يساوي ثلاثة دراهم ، ويحتج بهذا الحديث من يرى القطع في الشيء القليل ، وهو عند الأكثرين محمول على ما قاله الأعمش لحديث عائشة رضي الله عنها " وإذا سرق شيئاً من غير حرز كثمر في حائط لا حارس له ، أو حيوان في برية لا حافظ له ، أو متاع في بيت منقطع عن البيوت لا قطع عليه " . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " .

وروي عن ابن جريج ، عن الزبير ، عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس على خائن ، أو منتهب ، ولا مختلس ، قطع . و إذا سرق مالاً له فيه شبهة كالعبد يسرق من مال سيده ، أو الولد يسرق من مال والده ، أو الوالد يسرق من مال ولده ، أو أحد الشريكين يسرق من المال المشترك شيئاً ، لا قطع عليه . وإذا سرق السارق أول مرة تقطع يده اليمنى من الكوع ، ثم إذا سرق ثانياً تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم ) .

واختلفوا فيما إذا سرق ثالثاً ، فذهب أكثرهم إلى أنه تقطع يده اليسرى ، وإذا سرق رابعاً تقطع رجله اليمنى ، ثم إذا سرق بعده يعزر ويحبس حتى تظهر توبته ، وهو المروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو قول قتادة ، وبه قال مالك ، والشافعي ، لما روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق : ( إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ) .

وذهب قوم إلى أنه إن سرق ثالثاً بعدما قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى لا يقطع ، بل يحبس ، وروى ذلك عن علي رضي الله عنه ، وقال : إني لأستحي أن لا أدع له يداً يستنجي بها ، ولا رجلاً يمشي بها ، وهو قول الشعبي ، والنخعي ، وبه قال الأوزاعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي .

قوله تعالى : { جزاءً بما كسبا } ، نصب على الحال والقطع ومثله .

قوله تعالى : { نكالاً } ، أي عقوبة .

قوله تعالى : { من الله والله عزيز حكيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

{ 38 - 40 } { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

السارق : هو من أخذ مال غيره المحترم خفية ، بغير رضاه . وهو من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة الشنيعة ، وهو قطع اليد اليمنى ، كما هو في قراءة بعض الصحابة .

وحد اليد عند الإطلاق من الكوع ، فإذا سرق قطعت يده من الكوع ، وحسمت في زيت لتنسد العروق فيقف الدم ، ولكن السنة قيدت عموم هذه الآية من عدة أوجه :

منها : الحرز ، فإنه لابد أن تكون السرقة من حرز ، وحرز كل مال : ما يحفظ به عادة . فلو سرق من غير حرز فلا قطع عليه .

ومنها : أنه لابد أن يكون المسروق نصابا ، وهو ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، أو ما يساوي أحدهما ، فلو سرق دون ذلك فلا قطع عليه .

ولعل هذا يؤخذ من لفظ السرقة ومعناها ، فإن لفظ " السرقة " أخذ الشيء على وجه لا يمكن الاحتراز منه ، وذلك أن يكون المال محرزا ، فلو كان غير محرز لم يكن ذلك سرقة شرعية .

ومن الحكمة أيضا أن لا تقطع اليد في الشيء النزر التافه ، فلما كان لابد من التقدير ، كان التقدير الشرعي مخصصا للكتاب .

والحكمة في قطع اليد في السرقة ، أن ذلك حفظ للأموال ، واحتياط لها ، وليقطع العضو الذي صدرت منه الجناية ، فإن عاد السارق قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد ، فقيل : تقطع يده اليسرى ، ثم رجله اليمنى ، وقيل : يحبس حتى يموت . وقوله : { جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } أي : ذلك القطع جزاء للسارق بما سرقه من أموال الناس .

{ نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ } أي : تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره ، ليرتدع السراق -إذا علموا- أنهم سيقطعون إذا سرقوا .

{ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : عَزَّ وحكم فقطع السارق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } جملتان عند سيبويه إذ التقدير فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما ، وجملة عند المبرد والفاء للسببية دخل الخبر لتضمنهما معنى الشرط إذ المعنى : والذي سرق والتي سرقت ، وقرئ بالنصب وهو المختار في أمثاله لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلا بإضمار وتأويل . والسرقة : أخذ مال الغير في خفية ، وإنما توجب القطع إذا كانت من حرز والمأخوذ ربع دينار أو ما يساويه لقوله عليه الصلاة والسلام " القطع في ربع دينار فصاعدا " وللعلماء خلاف في ذلك لأحاديث وردت فيه وقد استقصيت الكلام فيه في شرح المصابيح ، والمراد بالأيدي الإيمان ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أيمانهما ، ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما في قوله تعالى : { فقد صغت قلوبكم } اكتفاء بتثنية المضاف إليه ، واليد اسم لتمام العضو ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب ، والجمهور على أنه الرسغ لأنه عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه . { جزاء بما كسبا نكالا من الله } منصوبان على المفعول له أو المصدر ودل على فعلهما فاقطعوا { والله عزيز حكيم } .