فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله والله عزيز حكيم ( 38 ) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ( 39 ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير ( 40 ) }

{ والسارق والسارقة فاقطعوا } لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهارا وهو المحارب ، عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق ، وذكر السارق مع السارقة لزيادة البيان ، لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام .

وقد اختلف أئمة النحو في خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم فاقطعوا ، فذهب إلى الأول سيبويه وقال تقديره فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما ، وذهب المبرد والزجاج إلى الثاني ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط .

والسرقة بكسر الراء اسم الشيء المسروق ، والمصدر هو السرق من سرق يسرق سرقا ، قال الجوهري : وهو أخذ الشيء في خفية من الأعين ، ومنه استرق السمع وسارقه النظر ، والقطع معناه الإبانة والإزالة ، وقدم السارق هنا والزانية في آية الزنا لأن الرجال إلى السرقة أميل ، والنساء إلى الزنا أميل .

{ أيديهما } أي يمين كل منهما من الكوع ، وجمع الأيدي لكراهة الجمع بين التثنيتين ، وقيل لأنه أراد يمينا من هذا ويمينا من هذه ، فجمع فإنه ليس للإنسان إلا يمين واحدة وكل شيء موحد من أعضاء الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع ، والمراد باليد هنا اليمين قاله الحسن والشعبي والسدي ، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما ، وقيل الجارحة وحدها عند جمهور أهل اللغة من رؤوس الأصابع إلى الكوع فيجب قطها من الكوع .

وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ ، قال قوم يقطع من المرافق ، وقال الخوارج من المنكب ، والسرقة لا بد أن تكون ربع دينار فصاعدا ولا بد أن تكون من حرز كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة ، وقد ذهب إلى اعتبار الحرز وربع الدينار الجمهور ، وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم ، وقال الحسن البصري : إذا جمع الثياب في البيت قطع .

وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتي التطويل به هنا بكثير فائدة ، وأوضحت البحث في ذلك في شرحي لكتاب بلوغ المرام .

{ جزاء بما كسبا } أي ذلك القطع جزاء على فعلهم { نكالا من الله } أي عقوبة منه ، تقول نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل ، وعن قتادة قال : لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذي أمر به ، قال وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول : اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا .

{ والله عزيز } غالب في انتقامه ممن عصاه لا يعارض في حكمه { حكيم } فيما أوجبه من قطع يد السارق .