معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

مرفوعان بما عاد من ذكرهما . والنصب فيهما جائز ؛ كما يجوز أزيد ضربته ، وأزيدا ضربته . وإنما تختار العرب الرفع في " السارق والسارِقة " لأنهما [ غير ] موَقَّتين ، فوجِّها توجيه الجزاء ؛ كقولك : مَنْ سرق فاقطعوا يده ، ف ( من ) لا يكون إلا رفعا ، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام . ومثله { واللذانِ يأتيانها مِنكم فآذوهما } وفي قراءة عبد الله " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما " .

وإنما قال ( أيدِيهما ) لأنّ كل شيء موحَّد من خَلْق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع . فقيل : قد هشمت رءوسهما ، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا . ومثله { إِن تَتُوبَا إِلى الله فقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما } .

وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان : اليدين والرجلين والعينين . فلما جرى أكثره على هذا ذهِب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية . وقد يجوز تثنيتهما ؛ قال أبو ذُؤيب :

فتخالسا نَفْسَيهِما بنوافذ *** كنوافِذِ العُبُط التي لا ترقَع

وقد يجوز هذا فيما ليس من خَلْق الإنسان . وذلك أن تقول للرجلين : خلَّيتما نساءكما ، وأنت تريد امرأتين ، وخرقتما قُمُصكما .

وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلاّ في خَلْق الإنسان ، وكلٌّ سواء . وقد يجوز أن تقول في الكلام : السارق والسارِقة فاقطعوا يمِينهما ؛ لأن المعنى : اليمين من كل واحد منهما ؛ كما قال الشاعر :

كُلُوا في نصف بطنِكم تعِيشوا *** فإنَّ زمانكم زمن خمِيص

وقال الآخر :

الواردون وتَيْم في ذرى سبأٍ *** قد عضَّ أعناقهم جِلدُ الجوامِيس

من قال : ( ذَرَى ) جعل سبأ جِيلا ، ومن قال : ( ذُرَى ) أراد موضعا .

ويجوز في الكلام أن تقول : أْتِنِي برأس شاتين ، ورأس شاة . فإذا قلت : برأس شاة فإنما أردت رأسَي هذا الجنس ، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة ؛ قال الشاعر في غير ذلك :

كأنه وَجْه تركِيَّينِ قد غضِبا *** مستهدف لِطعانٍ غيرِ تذبيب