قوله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وهي في قراءة عبد الله ابن مسعود : والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما .
إنما بدأ الله تعالى في السرقة بالسارق قبل السارقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ، لأن حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب ، ثم جعل حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به ، لثلاثة معانٍ :
أحدها : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه .
والثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر ، وقطع الذكر في الزنى باطن{[808]} ،
والثالث : أن في قطع الذكر إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله .
وقد قطع السارق في الجاهلية ، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد ابن المغيرة ، فأمر الله تعالى بقطعه{[809]} في الإِسلام ، فكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإِسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم ، وقال : " لَو كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ " .
وقطع عمر ابن سمرة أخا عبد الرحمن بن سمرة .
والقطع في السرقة حق الله تعالى لا يجوز العفو عنه بعد علم الإِمام به ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سارق رداء صفوان حين أمر بقطعه ، فقال صفوان : قد عفوت عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَاتِيَنِي بِهِ ؟لاَ عَفَا اللَّهُ عَنِّي إِنْ عَفَوتُ " .
وروي أن معاوية بن أبي سفيان أُتِيَ بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقدم ليقطع فقال :
يميني أمير المؤمنين أعيذها *** بعفوك أن تلقى مكاناً يشينها
يدي كانت الحسناء لو تم سبرها *** ولا تعدمُ الحسناءُ عابا يعيبها
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة *** إذا ما شمالي فارقتها يمينها
فقال معاوية : كيف أصنع وقد قطعت أصحابك ، فقالت أم السارق : يا أمير المؤمنين اجعلها من ذنوبك التي تتوب منها ، فَخَلَّى سبيله ، فكان أول حد ترك في الإٍسلام .
ولوجوب القطع مع ارتفاع الشبهة شرطان هما : الحرز والقدر ، وقد اختلف الفقهاء في قدر ما تقطع فيه اليد خلافاً ، كُتُبُ الفقه أولى{[810]} .
واختلف أهل التأويل حينئذ لأجل استثناء القطع وشروطه عمن سرق من غير حرز أو سرق من القدر الذي تقطع فيه اليد في قوله تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } هل هو عام خُصّ ؟ أو مجمل فُسِّر على وجهين .
أحدهما : أنه العموم الذي خُصّ .
والثاني : أنه المجمل الذي فُسِّر .
ثم قال تعالى : { جَزَآءً بِمَا كَسَبا } فاختلفوا هل يجب مع القطع غُرْم المسروق إذا استهلك على مذهبين :
أحدهما : أنه لا غرم ، وهذا قول أبي حنيفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.