بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

قوله تعالى :

{ وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ } بدأ بالرجل لأن السرقة في الرجال أكثر ، وقال في الزنى : { الزانية والزاني } بدأ بالنساء ، لأن الزنى في النساء أكثر ، وهنَّ الفاتنات للرجال { فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا } . روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : «فاقطعوا أيمانيهما » وغيره قرأ أيديهما ، واتفقوا أن المراد به اليمين من الكرسوع ، نزلت الآية في «طعْمَة بن أبَيْرق » ، ثم صارت الآية عامة في جميع السُّرَّاق .

وقال بعضهم : إذا سرق قليلاً أو كثيراً يجب القطع ، واحتج لظاهر الآية . روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ " وروي عن ابن الزبير أنه قطع في نعل ثمنه درهم . وقال : لو سرق خيطاً لقطعته ، وقال بعضهم : لا يقطع في أقل من ثلاثة دراهم ، أو أربع دينار فصاعداً .

والاختيار عند علمائنا رحمهم الله أن اليد لا تقطع في أقلَّ من عشرة دراهم ، وبه جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة رضي الله عنهم . قرأ بعضهم : { والسارق والسارقة } بالنصب ، وكذلك قوله : { الزانية والزاني } بالنصب ، وإنما جعله نصباً لوقوع الفعل عليه ، وهو شاذ من القراءة والقراءة المعروفة بالرفع .

وروي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال : رفعه بالابتداء ، لأن القصد ليس إلى واحد من السراق بعينه والزناة بعينه ، إنما هو كقولك من سرق فاقطعوا يده ، ومن زنى فاجلدوه ، ثم قال : { جَزَاء بِمَا كَسَبَا } يعني عقوبة لهما بما سرقا ، { نكالا } يعني : عقوبة ، { مِنَ الله } جزاء صار نصباً لأنه مفعول له يعني : جزاء بجزاء فعلهما ، ثم قال : { والله عَزِيزٌ } حكم على السارق بقطع اليد .