الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (38)

فيه سبع وعشرون مسألة :

الأولى : قوله تعالى : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " الآية . لما ذكر تعالى أخذ الأموال بطريق السعي في الأرض والفساد ذكر حكم السارق من غير جراب على ما يأتي بيانه أثناء الباب ، وبدأ سبحانه بالسارق قبل السارقة عكس الزنى على ما نبينه آخر الباب . وقد قطع السارق في الجاهلية ، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة ، فأمر الله بقطعه في الإسلام ، فكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبدالأسد من بن مخزوم ، وقطع أبو بكر يد اليمني{[5538]} الذي سرق العقد ، وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبدالرحمن بن سمرة ولا خلاف فيه . وظاهر الآية العموم في كل سارق وليس كذلك ؛ لقوله عليه السلام ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ) فبين انه إنما أراد بقوله : " والسارق والسارقة " بعض السراق دون بعض ، فلا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار ، أو فيما قيمته ربع دينار ، وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهم ، وبه قال عمر بن عبدالعزيز والليث والشافعي وأبو ثور ؛ وقال مالك : تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم ، فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لانحطاط الصرف لم تقطع يده فيهما . والعروض لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قل الصرف أو كثر ، فجعل مالك الذهب والورق كل واحد منهما أصلا بنفسه ، وجعل تقويم العروض بالدراهم في المشهور . وقال أحمد وإسحاق : إن سرق ذهب فربع دينار ، وإن سرق غير الذهب والفضة كانت قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم من الورق . وهذا نحو ما صار إليه مال في القول الآخر ، والحجة للأول حديث ابن عمر أن رجلا سرق حجفة{[5539]} ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقومت بثلاثة دراهم . والشافعي حديث عائشة رضي الله عنها في الربع دينار أصلا رد إليه تقويم العروض لا بالثلاثة دراهم على غلاء الذهب ورخصه ، وترك حديث ابن عمر لما رآه - والله أعلم - من اختلاف الصحابة في المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابن عمر يقول : ثلاثة دراهم ، وابن عباس يقول : عشرة دراهم ، وأنس يقول : خمسة دراهم ، وحديث عائشة في الربع دينار حديث صحيح ثابت لم يختلف فيه عن عائشة إلا أن بعضهم وقفه ، ورفعه{[5540]} من يجب العمل بقوله لحفظه وعدالته ، قاله أبو عمر وغيره . وعلى هذا فإن بلغ العرض المسروق ربع دينار بالتقويم قطع سارقه ، وهو قول إسحاق . فقف على هذين الأصلين فهما عمدة الباب ، وما أصح ما قيل فيه . وقال أبو حنيفة وصاحباه والثوري : لا تقطع يد السارق إلا في عشرة دراهم كيلا ، أو دينارا ذهبا عينا أو وزنا ، ولا يقطع حتى خرج بالمتاع من ملك الرجل ، وحجتهم حديث ابن عباس قال : قُوِّم المجن الذي قطع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة دراهم . ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان ثمن المجن يومئذ عشرة دراهم . أخرجهما الدارقطني وغيره . وفي المسألة قول رابع ، وهو ما رواه الدارقطني عن عمر قال : لا تقطع الخمس إلا في خمس ، وبه قال سليمان بن يسار وابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وقال أنس بن مالك : قطع أبو بكر - رحمه الله - في مجن قيمته خمسة دراهم . وقول خامس : وهو أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعدا ، روي عن أبي هريرة وأبى سعيد الخدري . وقول سادس : وهو أن اليد تقطع في درهم فما فوقه . قاله عثمان البتي . وذكر الطبري أن عبدالله بن الزبير قطع في درهم . وقول سابع : وهو أن اليد تقطع في كل ما له قيمة على ظاهر الآية ، هذا قول الخوارج ، وروي عن الحسن البصري ، وهي إحدى الروايات الثلاث عنه ، والثانية كما روي عن عمر ، والثالثة حكاها قتادة عنه أنه قال : تذاكرنا القطع في كم يكون على عهد زياد ؟ فاتفق رأينا على درهمين . وهذه أقوال متكافئة والصحيح منها ما قدمناه لك ، فإن قيل : قد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ) وهذا موافق لظاهر الآية في القطع في القليل والكثير{[5541]} ، فالجواب أن هذا خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير ، كما جاء في معرض الترغيب بالقليل مجرى الكثير في قوله عليه السلام : ( من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص{[5542]} قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) . وقيل : إن ذلك مجاز من وجه آخر ، وذلك أنه إذا رضى بسرقة القليل سرق الكثير فقطعت يده . وأحسن من هذا ما قاله الأعمش وذكره البخاري في آخر الحديث كالتفسير قال : كانوا يرون أنه بيض الحديد ، والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم . قلت : كحبال السفينة وشبه ذلك . والله أعلم .

الثانية : اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع . وقال الحسن بن أبي الحسن : إذا جمع الثياب في البيت . وقال الحسن بن أبي الحسن أيضا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم فصار اتفاقا صحيحا . والحمد لله .

الثالثة : الحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس ، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله على ما يأتي بيانه . قال ابن المنذر : ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم ، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم . وحكي عن الحسن وأهل الظاهر أنهم لم يشترطوا الحرز . وفي الموطأ لمالك عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين المكي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا قطع في ثمر معلق{[5543]} ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين ، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن ) قال أبو عمر : هذا حديث يتصل معناه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص وغيره ، وعبدالله هذا ثقة عند الجميع ، وكان أحمد يثني عليه . وعن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال : ( من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة{[5544]} فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ) وفي رواية . ( وجلدات نكال ) بدل ( والعقوبة ) . قال العلماء : ثم نسخ الجلد وجعل مكانه القطع . قال أبو عمر : قول ( غرامة مثليه ) منسوخ لا أعلم أحد من الفقهاء قال به إلا ما جاء عن عمر في دقيق حاطب بن أبي بلتعة ، خرجه مالك ، ورواية عن أحمد بن حنبل . والذي عليه الناس في الغرم بالمثل ؛ لقوله تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم{[5545]} " [ البقرة : 194 ] . وروى أبو داود عن صفوان بن أمية قال : كنت نائما في المسجد على خميصة{[5546]} لي ثمن ثلاثين درهما ، فجاء رجل فاختلسها مني ، فأخذ الرجل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع ، قال : فأتيته فقلت أتقطع من أجل ثلاثين درهما ؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها ، قال : ( فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به ) ؟ . ومن جهة النظر أن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين ، ثم الحكمة الأولية حكمت فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعا ، وبقيت الأطماع متعلقة بها ، والآمال محومة عليها ؛ فتكفها المروءة والديانة في أقل الخلق ، ويكفها الصون والحرز عن أكثرهم ، فإذا أحرزها مالك فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان ، فإذا هتكا فحشت الجريمة فعظمت العقوبة ، وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والأدب .

الرابعة : فإذا اجتمع جماعة فاشتركوا في إخراج نصاب من حرزه ، فلا يخلو ، إما أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه ، أولا إلا بتعاونهم ، فإذا كان الأول فاختلف فيه علماؤنا على قولين : أحدهما يقطع فيه ، والثاني لا يقطع فيه . وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، قالا : لا يقطع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكل واحد من حصته نصاب ، لقوله صلى الله عليه وسلم{[5547]} : ( لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ) وكل واحد من هؤلاء لم يسرق نصابا فلا قطع عليهم . ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها كالاشتراك في القتل . قال ابن العربي : وما أقرب ما بينهما فإنا إنما قتلنا الجماعة بالواحد صيانة للدماء ؛ لئلا يتعاون على سفكها الأعداء ، فكذلك في الأموال مثله ، لا سيما وقد ساعدنا الشافعي على أن الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قطعوا ولا فرق بينهما . وإن كان الثاني وهو مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يقطع جميعهم بالاتفاق من العلماء . ذكره ابن العربي .

الخامسة : فإن اشتركوا في السرقة بأن نقب واحد الحرز وأخرج آخر ، فإن كانا متعاونين قطعا . وإن انفرد كل{[5548]} منهما بفعله دون اتفاق بينهما ، بأن يجيء آخر فيخرج فلا قطع على واحد منهما . وإن تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج فالقطع عليه خاصة . وقال الشافعي : لا قطع ؛ لأن هذا نقب ولم يسرق ، والآخر سرق من حرز مهتوك الحرمة . وقال أبو حنيفة : إن شارك في النقب ودخل وأخذ قطع . ولا يشترط في الاشتراك في النقب التحامل على آلة واحدة ، بل التعاقب في الضرب تحصل به الشركة .

السادسة : ولو دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الآخر يده فأخذه فعليه القطع ، ويعاقب الأول . وقال أشهب : يقطعان . وإن وضعه خارج الحرز فعليه القطع لا على الآخذ ، وإن وضعه في وسط النقب فأخذه الآخر والتقت أيديهما في النقب قطعا جميعا .

السابعة : والقبر والمسجد حرز ، فيقطع النباش عند الأكثر . وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه ؛ لأنه سرق من غير حرز ما معرضا للتلف لا مالك له ؛ لأن الميت لا يملك . ومنهم من ينكر السرقة ؛ لأنه ليس فيه ساكن ، وإنما تكون السرقة بحيث تتقى الأعين ، ويتحفظ من الناس ، وعلى نفي السرقة عول أهل ما وراء النهر . وقال الجمهور : هو سارق لأنه تدرع الليل لباسا واتقى الأعين ، وقصد وقتا لا ناظر فيه ولا ما عليه ، فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد ، وخلو البلد من جميعهم . وأما قولهم : إن القبر غير حرز فباطل ؛ لأن حرز كل شيء بحسب حال الممكنة فيه . وأما قولهم : إن الميت لا يملك فباطل أيضا ؛ لأنه لا يجوز ترك الميت عاريا فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز . وقد نبه الله تعالى عليه بقول : " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا " {[5549]} [ المرسلات : 25 - 26 ] ليسكن فيها حيا ، ويدفن فيها ميتا . وأما قولهم : إنه{[5550]} عرضة للتلف ، فكل ما يلبسه الحي أيضا معرض للتلف والإخلاق بلباسه ، إلا أن أحد الأمرين أعجل من الثاني ، وقد روى أبو داود عن أبي ذر قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت{[5551]} فيه بالوصيف ) ، يعني القبر . قلت : الله ورسول أعلم قال : ( عليك بالصبر ) قال حماد : فبهذا قال من قال تقطع يد السارق ؛ لأنه دخل على الميت بيته .

وأما المسجد فمن سرق حصره قطع . رواه عيسى عن ابن القاسم ، وإن لم يكن للمسجد باب ، ورآها محرزة . وإن سرق الأبواب قطع أيضا . وروي عن ابن القاسم أيضا إن كانت سرقته للحصر نهارا لم يقطع ، وإن كان تسور عليها ليلا قطع ، وذكر عن سحنون إن كانت حصره خيط بعضها إلى بعض قطع ، وإلا لم يقطع . قال أصبغ : يقطع سارق حصر المسجد وقناديله وبلاطه ، كما لو سرق بابه مستسرا أو خشبة من سقفه أو من جوائزه{[5552]} . وقال أشهب في كتاب محمد : لا قطع في شيء من حصر المسجد وقناديله وبلاطه .

الثامنة : واختلف العلماء هل يكون غرم مع القطع أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : لا يجتمع الغرم مع القطع بحال ؛ لأن الله سبحانه قال : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله " ولم يذكر غرما . وقال الشافعي : يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا ، وتكون دينا عليه إذا أيسر أداه ، وهو قول أحمد وإسحاق . وأما علماؤنا مالك وأصحابه فقالوا : إن كانت العين قائمة ردها ، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم ، وإن كان معسرا لم يتبع دينا ولم يكن عليه شيء ، وروى مالك{[5553]} مثل ، ذلك عن الزهري ، قال الشيخ أبو إسحاق : وقد قيل إنه يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا . قال : وهو قول غير واحد من علمائنا{[5554]} من أهل المدينة ، واستدل على صحته بأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية والكفارة ، ثم قال : وبهذا أقول . واستدل القاضي أبو الحسن للمشهور بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيم على السارق الحد فلا ضمان عليه ) وأسنده في كتابه . وقال بعضهم : إن الإتباع بالغرم عقوبة ، والقطع عقوبة ، ولا تجتمع عقوبتان ، وعليه عول القاضي عبدالوهاب . والصحيح قول الشافعي ومن وافقه . قال الشافعي : يغرم السارق ما سرق موسرا كان أو معسرا ، قطع أو لم يقطع ، وكذلك إذا قطع الطريق . قال : ولا يسقط الحد لله ما أتلف للعباد ، وأما ما احتج به علماؤنا من الحديث ( إذا كان معسرا ) فبه احتج الكوفيون وهو قول الطبري ، ولا حجة فيه ، رواه النسائي والدارقطني عن عبدالرحمن بن عوف . قال أبو عمر : هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة ، وقال ابن العربي : وهذا حديث باطل . وقال الطبري : القياس أن عليه غرم ما استهلك . ولكن تركنا ذلك اتباعا للأثر في ذلك . قال أبو عمر : ترك القياس لضعيف الأثر غير جائز ؛ لأن الضعيف لا يوجب حكما .

التاسعة : واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه ، فقال علماؤنا : يقطع . وقال الشافعي : لا يقطع ؛ لأنه سرق من غير مالك ومن غير حرز . وقال علماؤنا : حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه ، ويد السارق كلا يد ، كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع ، فإن قيل : اجعلوا حرزه بلا حرز ، قلنا : الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز .

العاشرة : واختلفوا إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة ، فقال الأكثر : يقطع . وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه . وعموم القرآن يوجب عليه القطع ، وهو يرد قوله . وقال أبو حنيفة أيضا في السارق يملك الشيء المسروق بشراء أو هبة قبل القطع ، فإنه لا يقطع ، والله تعالى يقول : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " فإذا وجب القطع حقا لله تعالى لم يسقطه شيء .

الحادية عشرة : قرأ الجمهور " والسارق " بالرفع . قال سيبويه : المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة . وقيل : الرفع فيهما على الابتداء والخبر " فاقطعوا أيديهما " . وليس القصد إلى معين إذ لو قصد معينا لوجب النصب ، تقول : زيدا اضربه ؛ بل هو كقولك : من سرق فاقطع يده . قال الزجاج : وهذا القول هو المختار . وقرئ " والسارق " بالنصب فيهما على تقدير اقطعوا السارق والسارقة ، وهو اختيار سيبويه ؛ لأن الفعل بالأمر أولى . قال سيبويه رحمه الله تعالى : الوجه في كلام العرب النصب ، كما تقول : زيدا اضربه ؛ ولكن العامة أبت إلا الرفع ، يعني عامة القراء وجلهم ، فأنزل سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين . وقرأ ابن مسعود " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " وهو يقوي قراءة الجماعة . والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق ، والمصدر من سرق سرقا بفتح الراء . قاله الجوهري . وأصل هذا اللفظ إنما هو أخذ الشيء في خفية من الأعين ، ومنه استرق السمع ، وسارقه النظر . قال ابن عرفة : السارق عند العرب هو من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له ، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس{[5555]} ، فإن تمنع{[5556]} بما في يده فهو غاصب .

قلت : وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته ) قالوا : وكيف يسرق صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها ) خرجه الموطأ وغيره ، فسماه سارقا وإن كان ليس سارقا من حيث هو{[5557]} موضع الاشتقاق ، فإنه ليس فيه مسارقة الأعين غالبا .

الثانية عشرة : قوله تعالى : " فاقطعوا " القطع معناه الإبانة والإزالة ، ولا يجب إلا بجمع أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق ، وفي الموضع المسروق منه ، وفي صفته . فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف : وهي البلوغ والعقل ، وأن يكون غير مالك للمسروق منه ، وألا يكون له عليه ولاية ، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده ، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال ؛ لأن العبد وماله لسيده . ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه أخذ لماله ، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة{[5558]} : غلامكم سرق متاعكم . وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي ) قال : لم يرفعه غير فهد بن سليمان ، والصواب أنه{[5559]} موقوف . وذكر ابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنش ){[5560]} أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال ابن ماجة : وحدثنا جبارة بن المغلس حدثنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ، أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس ، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه . وقال : ( مال اله سرق بعضه بعضا ) وجبارة بن المغلس متروك . قاله أبو زرعة الرازي . ولا قطع على صبي ولا مجنون . ويجب على الذمي والمعاهد ، والحربي إذا دخل بأمان . وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف ، وهي النصاب وقد مضى القول فيه ، وأن يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه ، وإن كان مما لا يتمول ولا يحل بيعه كالخمر والخنزير فلا يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند مالك ، وابن القاسم ، وقيل : لا قطع عليه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ؛ لأنه ليس بمال . وقال علماؤنا : هو من أعظم المال ، ولم يقطع السارق في المال لعينه . وإنما قطع لتعلق النفوس به ، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد . وإن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم الضحايا ، ففي ذلك اختلاف بين ابن القاسم وأشهب . قال ابن القاسم : ولا يقطع سارق الكلب ، وقال أشهب : ذلك في المنهي عن اتخاذه ، فأما المأذون في اتخاذه فيقطع سارقه . قال : ومن سرق لحم أضحية أو جلدها قطع إذا كان قيمة ذلك ثلاثة دراهم . وقال ابن حبيب قال أصبغ : إن سرق الأضحية قبل الذبح قطع ، وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع . وإن كان مما يجوز اتخاذ أصله وبيعه ، فصنع منه ما لا يجوز استعمال كالطنبور والملاهي من المزمار والعود وشبهه من آلات اللهو فينظر ، فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر قطع . وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي لا يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما فيها من ذهب أو فضة دون صنعة . وكذلك الصليب من ذهب أو فضة ، والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابا قطع فيه . الوصف الثالث : ألا يكون للسارق في ملك ، كمن سرق ما رهنه أو ما استأجره ، ولا شبهة ملك ، على اختلاف بين علمائنا وغيرهم في مراعاة شبهة ملك كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال ؛ لأن له فيه نصيبا . وروي عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل سرق مغفرا{[5561]} من الخمس فلم ير عليه قطعا وقال : له فيه نصيب . وعلى هذا مذهب الجماعة في بيت المال . وقيل : يجب عليه القطع تعلقا بعموم لفظ آية{[5562]} السرقة . وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير ؛ لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه . لا يقطع فيه . وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق . وجملة القول فيه أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه ، وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزه ، فالدور والمنازل والحوانيت جرز لما فيها ، غاب عنها أهلها أو حضروا ، وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين ، والسارق لا يستحق فيه شيئا ، وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية ، ألا ترى أن الإمام قد يجوز أن يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس ، أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قوما دون قوم ، ففي التقدير أن هذا السارق ممن لا حق له فيه . وكذلك المغانم لا تخلو : أن تتعين بالقسمة ، فهو ما ذكرناه في بيت المال ، وتتعين بنفس التناول لمن شهد الواقعة ، فيجب أن براعي قدر ما سرق ، فإن كان فوق حقه قطع وإلا لم يقطع{[5563]} .

الرابعة عشرة : وظهور الدواب حرز لما حملت ، وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت ، كان معه أهله أم لا ، سرقت بليل أو نهار . وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة ، والدواب على مرابطها محرزة ، كان معها أهلها أم لا ، فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ، ومن ربطها بفنائه أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها . والسفينة حرز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة ، فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة ، وإن كان صاحبها ربط في موضع وأرساها فيه فربطها جرز ، وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة ، كالدابة بباب المسجد معها حافظ ، إلا أن ينزلوا بالسفينة في سفرهم منزلا فيربطوها فهو حرز لها كان صاحبها معها أم لا .

الخامسة عشرة : ولا خلاف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة ، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار شيئا وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار .

ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار ؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء ، إلا أن تكون دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع .

السادسة عشرة : ولا يقطع الأبوان بسرقة مال ابنهما ؛ لقوله عليه السلام : ( أنت ومالك لأبيك ) . ويقطع في سرقة مالهما ؛ لأنه لا شبهة له فيه . وقيل : لا يقطع ، وهو قول ابن وهب وأشهب ؛ لأن الابن ينبسط في مال أبيه في العادة ، ألا ترى أن العبد لا يقطع في مال سيده فأن لا يقطع ابنه في ماله أولى . واختلفوا في الجد ، فقال مالك وابن القاسم : لا يقطع . وقال أشهب : يقطع . وقول مالك أصح لأنه أب ، قال مالك : أحب إلى ألا يقطع الأجداد من قبل الأب والأم وإن لم تجب لهم نفقة . قال ابن القاسم وأشهب : ويقطع من سواهما من القرابات . قال ابن القاسم : ولا يقطع من سرق من جوع أصابه . وقال أبو حنيفة : لا قطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهم ، وهو قول الثوري . وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق : يقطع من سرق من هؤلاء . وقال أبو ثور : يقع كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد ، إلا أن يجمعوا على سيئ فيسلم للإجماع . والله أعلم{[5564]} .

السابعة عشرة : واختلفوا في سارق المصحف ، فقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور : يقطع إذا كانت قيمته ما تقطع فيه اليد ، وبه قال ابن القاسم . وقال النعمان : لا يقطع من سرق مصحفا . قال ابن المنذر : يقطع سارق المصحف . واختلفوا في الطرار{[5565]} يطر النفقة من الكم ، فقالت طائفة : يقطع من طر من داخل الكم أو من خارج ، وهو قول مالك والأوزاعي وأبي ثور ويعقوب . قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وإسحاق : إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع ، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع . وقال الحسن : يقطع . قال ابن المنذر : يقطع على أي جهة طر .

الثامنة عشرة : واختلفوا في قطع اليد في السفر ، وإقامة الحدود في أرض الحرب ، فقال مالك والليث بن سعد : تقام الحدود في أرض الحرب ولا فرق بين دار الحرب والإسلام . وقال الأوزاعي : يقيم من غزا على جيش - وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار - الحدود في عسكره غير القطع . وقال أبو حنيفة : إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره ، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره . استدل الأوزاعي ومن قال بقوله بحديث جنادة بن أبي أمية قال : كنا مع بسر بن أرطأة في البحر ، فأتي بسارق يقال له مصدر قد سرق بختية{[5566]} ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تقطع الأيدي في الغزو{[5567]} ) ولولا ذلك لقطعته . بسر هذا يقال{[5568]} ولد في زمن النبي صلى الله عليه . وسلم ، وكانت له أخبار سوء في جانب علي وأصحابه ، وهو الذي ذبح طفلين{[5569]} لعبدالله بن العباس ففقدت أمهما عقلها فهامت على وجهها ، فدعا عليه علي رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله ، فكان كذلك . قال يحيى بن معين : كان بسر بن أرطأة رجل سوء . استدل من قال بالقطع بالقطع بعموم القرآن ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى . وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود : مخافة أن يلحق ذلك بالشرك . والله أعلم .

التاسعة عشرة : فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع . فقال الكافة : تقطع من الرسغ والرجل من المفصل ، ويحسم الساق إذا قطع . وقال بعضهم : يقطع إلى المرفق . وقيل : إلى المنكب ؛ لأن اسم اليد يتناول ذلك . وقال علي رضي الله عنه : تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العقب{[5570]} ؛ وبه قال أحمد وأبو ثور . قال ابن المنذر : وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع يد رجل فقال : ( احسموها ) وفي إسناده مقال ، واستحب ذلك جماعة منهم الشافعي وأبو ثور وغيرهما ، وهذا أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف .

الموفية عشرين : لا خلاف أن اليمنى هي التي تقطع أولا ، ثم اختلفوا إن سرق ثانية ، فقال مالك وأهل المدينة والشافعي وأبو ثور وغيرهم : تقطع رجله اليسرى ، ثم في الثالثة يده اليسرى ، ثم في الرابعة رجله اليمنى ، ثم إن سرق خامسة يعزر ويحبس . وقال أبو مصعب من علمائنا : يقتل بعد الرابعة ، واحتج بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال : ( اقتلوه ) فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : ( اقتلوه ){[5571]} ، قالوا : يا رسول إنما سرق ، قال : ( اقطعوا يده ) ، قال : ثم سرق فقطعت رجله ، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق أيضا الخامسة{[5572]} ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال : ( اقتلوه ) ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه ، منهم عبدالله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال : أمروني عليكم فأمروه عليهم ، فكان إذا ضرب ضرب حتى قتلوه . وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسارق في الخامسة فقال : ( اقتلوه ) . قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ، ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة . رواه أبو داود وخرجه النسائي وقال : هذا حديث منكر وأحد رواته{[5573]} ليس بالقوي . ولا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا . قال ابن المنذر : ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما{[5574]} أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل . وقيل : تقطع في الثانية رجله اليسرى ثم لا قطع في غيرها ، ثم إذا عاد عزر وحبس ، وروي عن علي بن أبي طالب ، وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل . قال الزهري : لم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل . وقال عطاء : تقطع يده اليمنى خاصة ولا يعود عليه القطع : ذكره ابن العربي وقال : أما قول عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلافه .

الحادية والعشرون : واختلفوا في الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره ، فقال قتادة : قد أقيم عليه الحد ولا يزاد عليه ، وبه قال مالك : إذا أخطأ القاطع فقطع شماله ، وبه قال أصحاب الرأي استحسانا . وقال أبو ثور : على الحزاز{[5575]} الدية لأنه أخطأ وتقطع يمينه إلا أن يمنع بإجماع{[5576]} . قال ابن المنذر : ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين : إما أن يكون القاطع عمد ذلك فعليه القود ، أو يكون أخطأ فديته على عاقلة القاطع ، وقطع يمين السارق يجب ، ولا يجوز إزالة ما أوجب الله سبحانه بتعدي معتد أو خطأ مخطئ . وقال الثوري في الذي يقتص منه في يمينه فيقدم شماله فتقطع ، قال : تقطع يمينه أيضا . قال ابن المنذر : وهذا صحيح . وقالت طائفة : تقطع يمينه إذا برئ ، وذلك أنه هو أتلف يساره ، ولا شيء على القاطع في قول أصحاب الرأي ، وقياس قول الشافعي . وتقطع يمينه إذا برئت . وقال قتادة والشعبي : لا شيء على القاطع وحسبه ما قطع منه .

الثانية والعشرون : وتعلق يد السارق في عنقه ، قال عبدالله بن محيريز سألت فضالة عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة هو ؟ فقال : جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه ، أخرجه الترمذي - وقال : حديث حسن غريب - وأبو داود والنسائي .

الثالثة والعشرون : إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجلا . فقال مالك : يقتل ويدخل القطع فيه . وقال الشافعي : يقطع ويقتل{[5577]} ؛ لأنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ، وهو اختيار ابن العربي .

الرابعة والعشرون : قوله تعالى : " أيديهما " لما قال " أيديهما " ولم يقل يديهما تكلم علماء اللسان{[5578]} في ذلك - قال ابن العربي : وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم{[5579]} - فقال الخليل بن أحمد والفراء : كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع تقول : هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما ، و " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما{[5580]} " [ التحريم : 4 ] ، ولهذا قال : " اقطعوا أيديهما " ولم يقل يدهما . والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا . ويجوز في اللغة ، فاقطعوا يديهما وهو الأصل ، وقد قال الشاعر{[5581]} فجمع بين اللغتين :

ومهمهمين قَذَفَيْن مَرْتَيْن *** ظهراهما مثل ظهور الترسين

وقيل : فعل هذا لأنه لا يشكل . وقال سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، وحكي عن العرب ؛ وضعا رحالهما . ويريد به{[5582]} رحلي راحلتيهما . قال ابن العربي : وهذا بناء على أن اليمين وحدها هي التي تقطع وليس كذلك ، بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قول " أيديهما " {[5583]} إلى أربعة وهي جمع في الاثنين ، وهما تثنية فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا أيديهم لكان وجها ؛ لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى .

الخامسة والعشرون : قوله تعالى : " جزاء بما كسبا " مفعول من أجله ، وإن شئت كان مصدرا وكذا " نكالا من الله " يقال : نكلت به إذا فعلت به ما يوجب أن ينكل به عن ذلك الفعل " والله عزيز " لا يغالب " حكيم " فيما يفعله ؛ وقد تقدم .


[5538]:هو رجل من أهل اليمن أقطع اليد والرجل سرق عقدا لأسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقطع يده اليسرى.
[5539]:الحجفة بالتحريك: الترس، وقيل: هي من الجلود خاصة كالدرقة.
[5540]:حديث عائشة صحيح عند الإباضية مرفوع كما في مسند الربيع. وحديث المجن أيضا فيه عن أبي سعيد الخدري الآتي بأربعة دراهم إلا أن العمل بحديث عائشة.
[5541]:من ع.
[5542]:مفحص القطاة حيث تفرخ فيه من الأرض.
[5543]:الثمر المعلق: الثمر في الأشجار. وحريسة الجبل: ما يحرس بالجبل. والجرين: البيدر موضع يداس فيه البر وقد يكون للتمر والعنب.
[5544]:الخبنة: الحجزة في السراويل والوعاء يحمل فيه الشيء أيضا وما يحمل تحت الإبط.
[5545]:راجع ج 2 ص 354.
[5546]:الخميصة: ثوب خز أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة.
[5547]:من ع و ج.
[5548]:في ج و هـ و ز و ك: كل واحد.
[5549]:راجع ج 19 ص 158.
[5550]:من ك و ج و ع.
[5551]:البيت هنا القبر. والوصيف الخادم غلاما كان أو جارية، والمعنى: أن الموت يكثر حتى يشتري موضع قبر بعيد.
[5552]:الجائز من البيت الخشبة التي تحمل خشب البيت، والجمع أجوزة وجوزان وجوائز.
[5553]:سقط "مالك" من ج و هـ و ك و ع.
[5554]:من ك.
[5555]:المحترس الذي يسرق حريسة الجبل.
[5556]:من ع.
[5557]:من ج.
[5558]:الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه- والسارق كان غلاما لعبد الله بن عمرو الحضرمي سرق مرآة لامرأته ثمنها ستون درهما.
[5559]:من ك.
[5560]:النش: (بفتح النون وتشديد الشين) عشرون درهما، ويطلق على النصف من كل شيء، فالمراد البيع ولو بنصف القيمة.
[5561]:المغفر (بكسر الميم): زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
[5562]:من ع.
[5563]:كل الأصول لم تذكر الثالثة عشرة، إلا ك، ثم سقط منها التاسعة عشرة.
[5564]:في ك.
[5565]:الطرار: هو الذي يشق كم الرجل ويسل ما فيه، من الطر وهو القطع والشق.
[5566]:البختية: الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال طوال الأعناق، واللفظة معربة.
[5567]:في التهذيب: وأسد الغابة "في السفر".
[5568]:من ج و ع.
[5569]:كذا في الأصول. وفي التهذيب، وأسد الغابة: قتل عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس.
[5570]:العقب: مؤخر المقدم.
[5571]:من ك، هـ، ز.
[5572]:من ك، هـ ، ز.
[5573]:هو مصعب بن ثابت. "النسائي".
[5574]:من ع.
[5575]:في ك، ع: الجزار.
[5576]:في ج، ز، ك، هـ: إلا أن يمنع منه إجماع.
[5577]:من ع.
[5578]:في ج، ع: البيان.
[5579]:زاد ابن العربي "من غير تحقيق لكلامهم".
[5580]:راجع ج 18 ص 188.
[5581]:راجع ج 5 ص 73.
[5582]:من ج.
[5583]:كذا في الأصول إلا ا: فيعود قول مالك إلى أربعة.