قوله تعالى : { أم حسبتم } ، أظننتم .
قوله تعالى : { أن تتركوا } ، قيل : هذا خطاب للمنافقين . وقيل : للمؤمنين الذين شق عليهم القتال . فقال : { أم حسبتم أن تتركوا } فلا تؤمروا بالجهاد ، ولا تمتحنوا ، ليظهر الصادق من الكاذب .
قوله تعالى : { ولما يعلم الله } ، ولم ير الله .
قوله تعالى : { الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً } ، بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم . وقال قتادة : وليجة خيانة . وقال الضحاك : خديعة . وقال عطاء : أولياء . وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة . الرجل من يختص بدخيلة أمره دون الناس ، الرجل : من يختص بدخيلة أمره دون الناس ، يقال : هو وليجتي ، وهم وليجتي ، للواحد والجمع .
{ 16 ْ } { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ }
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما أمرهم بالجهاد : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ْ } من دون ابتلاء وامتحان ، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب .
{ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ْ } أي : علما يظهر مما في القوة إلى الخارج ، ليترتب عليه الثواب والعقاب ، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله : لإعلاء كلمته { وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ْ } أي : وليا من الكافرين ، بل يتخذون اللّه ورسوله والمؤمنين أولياء .
فشرع اللّه الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم ، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين اللّه ، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين .
{ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ } أي : يعلم ما يصير منكم ويصدر ، فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه ، ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشرها .
إن بروز قوة الإسلام وتقريرها ليستهوي قلوبا كثيرة تصد عن الإسلام الضعيف ، أو الإسلام المجهول القوة والنفوذ . وإن الدعوة إلى الإسلام لتختصر نصف الطريق حين تكون الجماعة المسلمة بادية القوة ، مرهوبة الجانب ، عزيزة الجناب .
على أن الله سبحانه وهو يربي الجماعة المسلمة بالمنهج القرآني الفريد لم يكن يعدها وهي في مكة قلة قليلة مستضعفة مطاردة ، إلا وعدا واحدا : هو الجنة . ولم يكن يأمرها إلا أمرا واحدا : هو الصبر . . فلما أن صبرت وطلبت الجنة وحدها دون الغلب ، آتاها الله النصر ؛ وجعل يحرضها عليه ويشفي صدورها به . ذلك أن الغلب والنصر عندئذ لم يكن لها ولكن لدينه وكلمته . وإن هي إلا ستار لقدرته . .
ثم إنه لم يكن بد أن يجاهد المسلمون المشركين كافة ، وأن تنبذ عهود المشركين كافة ؛ وأن يقف المسلمون إزاءهم صفا . . لم يكن بد من ذلك لكشف النوايا و الخبايا ، ولإزالة الأستار التي يقف خلفها من لم يتجرد للعقيدة ، والأعذار التي يحتج بها من يتعاملون مع المشركين للكسب ، ومن يوادونهم لآصرة من قربى أو مصلحة . . لم يكن بد من إزالة هذه الأستار والمعاذير ، وإعلان المفاصلة للجميع ، لينكشف الذين يخبئون في قلوبهم خبيئة ، ويتخذون من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة ، يلجون منها إلى مصالحهم وروابطهم مع المشركين ، في ظل العلاقات غير المتميزة أو الواضحة بين المعسكرات المختلفة : ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ، والله خبير بما تعملون ) .
لقد كان في المجتمع المسلم - كما هو الحال عادة - فئة تجيد المداورة ، وتنفذ من الأسوار . وتتقن استخدام الأعذار . وتدور من خلف الجماعة ، وتتصل بخصومها استجلابا للمصلحة ولو على حساب الجماعة ، مرتكنة إلى ميوعة العلاقات ووجود ثغرات في المفاصلة بين المعسكرات . فإذا وضحت المفاصلة وأعلنت قطعت الطريق على تلك الفئة ، وكشفت المداخل والمسارب للأنظار .
وإنه لمن مصلحة الجماعة ، ومن مصلحة العقيدة ، أن تهتك الأستار وتكشف الولائج ، وتعرف المداخل ، فيمتاز المكافحون المخلصون ، ويكشف المداورون الملتوون ، ويعرف الناس كلا الفريقين على حقيقته ، وإن كان الله يعلمهم من قبل :
ولكنه سبحانه يحاسب الناس على ما يتكشف من حقيقتهم بفعلهم وسلوكهم . وكذلك جرت سنته بالابتلاء لينكشف الخبيء وتتميز الصفوف ، وتتمحص القلوب . ولا يكون ذلك كما يكون بالشدائد والتكاليف والمحن والابتلاءات .
{ أم حسبتم } خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال ، وقيل للمنافقين و{ أم } منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على الحسبان . { أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } ولم يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم ، نفى العلم وأراد نفي المعلوم لمبالغة فإن كالبرهان عليه من حيث إن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه . { ولم يتخذوا } عطف على { جاهدوا } داخل في الصلة . { من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة } بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم . وما في { لما } من معنى التوقع منبه على أن تبين ذلك متوقع . { والله خبير بما تعملون } يعلم غرضكم منه وهو كالمزيج لما يتوهم من ظاهر قوله : { ولما يعلم الله } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.