المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

29- فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب لهوان شأنهم ، ولم يُنظَروا لتوبة ، ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم ، احتقاراً لهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السلام والأرض أربعين صباحاً ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح ، فتبكي السماء على فقده ، ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله الفنجوي ، حدثنا أبو علي المقري ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الزيدي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " ثم تلا : { فما بكت عليهم السماء والأرض } . قال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها . قال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء ، وبكاؤها : حمرتها . { وما كانوا منظرين } لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي : لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .

{ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } أي : ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

ثم بين - سبحانه - أن فرعون وقومه بعد ان غرقوا ، لم يحزن لهلاكهم أحد ، فقال : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } .

أى : أن هؤلاء المغرقين ، الذين كانوا ملء السمع والبصر ، وكانوا يذلون غيرهم ، وكانوا يملكون الجنات والعيون . . هؤلاء الطغاة ، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السماوات أو أهل الأرض ، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر فى الدنيا أو فى الآخرة ، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف .

فالمقصود من الآية الكريمة ببيان هوان منزلة هؤلاء المغرين ، وتفاهة شأنهم ، وعدم أسف أحد على غرقهم ، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل . .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا فى تعظيم مهكله : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . .

قال جرير فى رثاء عمر بن العزيز :

نعى النعاة أمير المؤمنين لنا . . . يا خير من حج بيت الله واعتمروا

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له . . . وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

الشمس طالعة ليست بكاسفة . . . تبكى عليك نجوم الليل والقمرا

وقالت ليلى بنت طريف الخارجية ، ترثى أخاها الوليد :

أيا شجر الخابور مالك مورقا . . . كأنك لم تجزع على ابن طريف

وذلك على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة فى وجوب الجزع والبكاء عليه . .

وفى الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده ، فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض . يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، بل كانكوا بهلاكهم مسرورين . .

وقال الإِمام ابن كثير : قوله : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض } أى : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد فى أبواب السماء فتبكى على فقدهم ، ولا لهم بقاع فى الأرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا .

ثم ساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث منها ما أخرجه ابن جرير " عن شريح بن عبيد الحضرمى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الإِسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، ألا لا غربة على مؤمن . ما مات مؤمن فى غربة غابت عنه فيها بواكيه . إلا بكت عليه السماء والأرض . ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية . ثم قال : إنهما لا يبكيان على كافر " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

نفت هذه الآية أن تكون السماء والأرض بكت على قوم فرعون ، فاقتضى أن للسماء والأرض بكاء . واختلف المتأولون في معنى ذلك فقال علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد وابن جبير : إن الرجل المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحاً ، وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله ، قالوا فلم يكن في قوم فرعون مَن هذه حاله ، فهذا معنى الآية . وقال السدي وعطاء : بكاء السماء : حمرة أطرافها . وقالوا إن السماء احمرت يوم قتل الحسين بن علي ، وكان ذلك بكاء عليه ، وهذا هو معنى الآية .

قال القاضي أبو محمد : والمعنى الجيد في الآية أنها استعارة باهية فصيحة تتضمن تحقير أمرهم ، وأنهم لم يتغير عن هلاكهم شيء ، وهذا نحو قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال }{[10235]} [ إبراهيم : 46 ] على قراءة من قرأ «لِتزولَ » بكسر اللام ونصب الفعل وجعل { إن } [ إبراهيم : 46 ] نافية ، ومثل هذا المعنى قول النبي عليه السلام : «لا ينتطح فيها عنزان »{[10236]} فإنه يتضمن التحقير ، لكن هذه الألفاظ هي بحسب ما قيلت فيه ، وهو قتل المرأة الكافرة التي كانت تؤذي النبي عليه السلام . وعظم قصة فرعون وقومه يجيء بحسبها جمال الوصف وبهاء العبارة في قوله : { فما بكت عليهم السماء والأرض } ومن نحو هذا أن يعكس قول جرير : [ الكامل ]

لما أتى خبر الزبير تواضعت . . . سور المدينة والجبال الخشع{[10237]}

فيقال في تحقير : مات فلان فما خشعت الجبال ، ونحو هذا ، وفي الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال : «ما مات مؤمن في غربة غاب عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض » ثم قرأ هذه الآية ، وقال : «إنهما لا يبكيان على كافر »{[10238]} . ومن التفخيم ببكاء المخلوقات العظام قول يزيد بن مفرغ [ مجزوء الكامل ] :

الريح تبكي شجوه . . . والبرق يلمع في غمامه{[10239]}

وقول الفرزدق :

فالشمس طالعة ليست بكاسفة . . . تبكي عليك نجوم الليل والقمرا{[10240]}

و : { منظرين } معناه : مؤخرين وممهلين .


[10235]:من الآية(46) من سورة (إبراهيم).
[10236]:هذا الحديث جرى مجرى المثل، وقد ذكره الميداني في (مجمع الأمثال)، وقال: معناه: لا يكون له تغيير ولا له نكير، وذكره الزمخشري في (المستقصى في أمثال العرب)، وقال يضرب للأمر الذي لا غير له ولا يدرك به ثأر. وذكره الميداني في كتابه(النهاية في غريب الحديث والأثر)، وقال: أي لا يلتقي فيه اثنان ضعيفان؛ لأن النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز، وهو إشارة إلى قضية مخصوصة لا يجري فيها خلف ونزاع.
[10237]:هذا البيت من قصيدة لجرير يهجو الفرزدق وجميع الشعراء، ويقول في مطلعها: بان الخليط برامتين فودعوا أو كلما رفعوا لبين تجزع؟ وهي في النقائض، وهو يذم الفرزدق لأن قومه لم يدافعوا عن الزبير وتركوه للقتل، بل إنه بعد ذلك يصمهم بالغدر والخيانة ويسجل عليهم أنهم تركوا جارهم، وأنه لو حل جارهم هذا إليه لمنعه بالخيل، وقوله:"والجبال الخشع" معناه: والجبال خشع لهذا الحدث، فجعل الخشع خبرا.
[10238]:أخرجه ابن أبي الدنيا، وابن جرير، عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلا، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فما بكت عليهم السماء والأرض}، ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر).
[10239]:هذا البيت لابن مفرغ واحد من أبيات قالها في بيعه جارية له تسمى الأراكة وغلاما يسمى بردا، وكانا أعز عليه من نفسه، وقد أرغمه عباد بن زياد على بيعهما، والقصة في الأغاني، وخزانة الأدب، وأمالي الزجاجي، والوفيات، والبيت في (مشكل القرآن)، و(الأضداد) للأنباري.وقد ورد البيت في الأصول محرفا، والتصويب عن الخزانة، والوفيات ومن أبيات ابن مفرغ هذه: وشريت بردا ليتني من بعد بُرد كنت هامه أو بومة تدعو صدى بين المشقر واليمامه فالريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامه والعبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامه والشاهد هنا التفخيم ببكاء الريح ولمعان البرق في الغمام لأنه باع غلامه بردا، و(شرى) هنا بمعنى (باع).
[10240]:هكذا في الأصول:"وقول الفرزدق"، والصحيح أن البيت لجرير، قاله يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه،وهو في الديوان، والصحاح، واللسان، والتاج، ومشكل القرآن، وهو ثالث أبيات ثلاثة، هي: تنعي النعاة أمير المؤمنين لنا يا خير من حج بيت الله واعتمرا حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمر فالشمس كاسفة ليست بطالعة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا وقوله: يا عمرا، أراد: يا عمراه على الندبة، ورواية البيت موضع الشاهد:(فالشمس كاسفة) على عكس ما في ابن عطية، أراد أن الشمس كاسفة تبكي عليك الشهر والدهر، وهذا قول الكسائي، وقيل: إن المعنى أن الشمس كسفت نجوم الليل والقمرا وهي تبكي عليك، وفيه بُعد لأن النجوم والقمر لا ينكسفان طول الدهر، والشاهد هنا تفخيم الأمر وتهويله بكسوف الشمس وبكائها على الخليفة عر بن عبد العزيز رضي الله عنه.