البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فما بكت عليهم السماء والأرض } : استعارة لتحقير أمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء .

ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس .

وقال زيد بن مفرغ :

الريح تبكي شجوه *** والبرق يلمع في غمامه

وقال جرير :

فالشمس طالعة ليست بكاسفة *** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

وقال النابغة :

بكى حادث الجولان من فقد ربه *** وحوران منه خاشع متضائل

وقال جرير :

لما أتى الزهو تواضعت *** سور المدينة والجبال الخشع

ويقول في التحقير : مات فلان ، فما خشعت الجبال .

ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة ، عبارة عن تأثر الناس له ، أو عن عدمه .

وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض ، وهم المؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين .

روي ذلك عن الحسن .

وما روي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : إن المؤمن إذا مات ، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحاً ، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله .

قالوا : فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل .

{ وما كانوا منظرين } : أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم ، بل عجل الله لهم ذلك في الدنيا .