فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين( 29 ) } .

لما قُطِع دابر القوم الذين ظلموا استراحت الدنيا من بغيهم وظلمهم ، وعندما حان أجلهم أُخِذوا دون إمهال { فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون }{[4449]} ؛ وأغرقوا { . . فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون }{[4450]} ؛ هلكوا فلم تعظم مصيبتهم ولم يوجد لهم فقد .

أورد القرطبي عن الحسن : . . في الكلام إضمار ، أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة ، كقوله تعالى : { واسأل القرية . . }{[4451]} . . بل سروا بهلاكهم{[4452]} يعني أنهم لم يعملوا على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم لأجله ، ولا صعد لهم إلى السماء عمل صالح فتبكي{[4453]} فقد ذلك . . فما بكت{[4454]} عليهم مصاعد عملهم من السماء ، ولا مواضع عبادتهم من الأرض .


[4449]:سورة يس. من الآية 50.
[4450]:سورة يس. من الآية 43.
[4451]:سورة يوسف. من الآية 43.
[4452]:روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه- ثم تلا-{فما بكت عليهم السماء والأرض}أورده القرطبي جـ16ص140.
[4453]:قال شريح الحضرمي: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء يوم القيامة) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال:( هم الذين إذا فسد الناس صلحوا)؛ ثم قال:(ألا لا غربة على مؤمن وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فما بكت عليهم السماء والأرض}،ثم قال:"ألا إنهما لا يبكيان على الكافر". القرطبي جـ16ص141.
[4454]:قال محمد بن علي الترمذي: البكاء إدرار الشيء، فإذا أدرت العين بمائها قيل بكت، وإذا أدرت السماء بحمرتها قيل بكت، وإذا أدرت الأرض بغبرتها قيل بكت، لأن المؤمن نور ومعه نور الله، فالأرض مضيئة بنوره، وإن غاب عن عينيك، فإن فقدت نور المؤمن اغبرت فدرت باغبرارها، لأنها كانت غبراء بخطايا أهل الشرك وإنما صارت مضيئة بنور المؤمن، فإذا قبض المؤمن منها درت بغبرتها.القرطبي جـ16ص142.