النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

قوله عز وجل : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِم السَّمَآءُ وَالأَرْضُ } فيه أربعة أوجه :

أحدها : يعني أهل السماء وأهل الأرض ، قاله الحسن .

الثاني : أن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحاً ؛ قاله مجاهد .

قال أبو يحيى : فعجبت من قوله ، فقال أتعجب ؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ؟

الثالث : أنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ، قاله علي كرم الله وجهه . وتقديره فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض .

وهو معنى قول سعيد بن جبير .

الرابع : ما رواه يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلا وله في السماء بابان ، باب ينزل منه رزقه ، وباب يدخل منه كلامه وعمله ، فإذا مات فقداه فبكيا عليه " ثم تلا هذه الآية{[2568]} .

وفي بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه كالمعروف من بكاء الحيوان ويشبه أن يكون قول مجاهد .

الثاني : أنه حمرة أطرافها ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعطاء .

وحكى جرير عن يزيد بن أبي {[2569]}زياد قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر ، واحمرارها بكاؤها .

الثالث : أنها أمارة تظهر منها تدل على حزن وأسف . كقول الشاعر{[2570]} :

والشمس طالعة ليست بكاسفة *** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

{ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } فيه وجهان :

أحدهما : مؤخرين بالغرق ، قاله الكلبي .

الثاني : لم ينظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا ، قاله مقاتل .


[2568]:رواه الترمذي في تفسير هذه السورة.
[2569]:أبي ساقطة من ك والصواب ما أثبتناه.
[2570]:هذا البيت لجرير.