الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

واختلف المتأوِّلُون في معنى قوله تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض } ، فقال ابن عباس وغيره : وذلك أَنَّ الرجُلَ المؤمنَ إذا مَاتَ ، بكى عليه من الأرض موضِعُ عباداتِهِ أربعين صَبَاحاً ، وبكى عليه من السماءِ مَوْضِعُ صُعُودِ عمله ، قالوا : ولم يكن في قوم فرعونَ مَنْ هذه حَالُهُ ، فَتَبْكِي عليهمُ السماءُ والأَرْضُ ، قال ( ع ) : والمعنى الجَيِّدُ في الآية : أَنَّها استعارةٌ فصيحةٌ تَتَضمَّن تحقير أمرهم ، وأَنَّه لم يتغير لأجل هلاكهم شيء ، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ " ، وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " مَا مَاتَ مُؤْمِنٌ في غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ ، إلاَّ بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ والأَرْضُ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآية ، وَقَالَ : إنَّهُمَا لاَ يَبْكِيَانِ على كَافِرٍ " . قال الداووديُّ وعن مجاهد : ما مات مؤمنٌ إلاَّ بكَتْ عليه السماءُ والأرضُ ، وقال : أفي هذا عجبٌ ؟ ! وما للأرضِ لا تَبْكِي على عبدٍ كانَ يَعْمُرُها بالرُّكُوعِ والسجودِ ، وما للسماء لا تَبْكِي على عبدٍ كان لتسبيحِهِ وتكبيرِهِ فيها دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، انتهى .

وروى ابن المبارك في «رقائقه » قال : أخبرنا الأوْزاعيُّ قال : حدَّثني عطاءٌ الخُرَاسَانِيُّ ، قال : مَا مِنْ عَبْدٍ يسجد للَّهِ سَجْدَةً في بُقْعَةٍ من بِقَاعِ الأرضِ ، إلاَّ شَهِدَتْ له يَوْمَ القيامةِ ، وبَكَتْ عليه يَوْمَ يَمُوتُ ، انتهى . وروى ابن المبارك أَيْضاً عن أبي عُبَيْدٍ صاحبِ سليمانَ «أَنَّ العبد المؤمن إذا مات تنادَتْ بِقَاعُ الأرضِ : عَبْدُ اللَّهِ المُؤْمِنُ مَاتَ قَالَ : فَتَبْكِي عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ ، فيقولُ الرحمن تبارَكَ وتعالى : مَا يُبْكِيكُمَا على عَبْدِي ؟ فَيَقُولاَنِ : يَا رَبَّنَا ، لَمْ يَمْشِ على نَاحِيَةٍ مِنَّا قَطُّ إلاَّ وَهُوَ يَذْكُرُكَ » اه .

و{ مُنظَرِينَ } أي : مُؤَخَّرِينَ