تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

الآية 29 وقوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } قال بعضهم : أي فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض ، بل سُرّوا بذلك ، واستبشروا بهلاكهم . فيكون ذكر نفي البكاء لإثبات ضدّه ، وهو السرور والفرح ، لا لعينه . وذلك جائز في اللغة أن يُذكر نفي الشيء ، ويراد به إثبات ضدّه لا عين النفي كقوله تعالى : { فما ربِحت تجارتهم } [ البقرة : 16 ] ليس المراد إثبات نفي الربح أي لم تربح فحسب ، بل المراد إثبات الخسران والوضعية ، أي خسِرت ، ووُضعت .

فعلى ذلك قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } أي ضحكت ، وسُرّت ، واستبشرت بهلاكهم لأنهم جميعا أبغضوهم ، وعادوهم لادّعائهم ما ادّعوا من الألوهية لفرعون .

وقال بعضهم : { فما بكت عليهم السماء والأرض } يحتمل أن المراد به ما رُوي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من مؤمن إلا وله باب في السماء يصعد إليه عمله الصالح ، وفي الأرض مُصلّى يصلّي فيه ، فإذا مات بكى ذلك عليه كذا كذا يوما ] [ بنحوه الترمذي 3255 ] وليس لهم ذلك ، فلا يُبكى عليهم .

وجائز أن يكون أيضا قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } أي لم يبق لهم أحد يبكي عليهم من الأولاد وغيرهم لأنهم استُؤصلوا جميعا الأولاد وغيرهم ، فلم يبك عليهم أحد . فأما سائر الموتى فقد يبقى لهم من يبكي عليهم . لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم .

ويحتمل أن يذكر بكاء السماء إذا عظُم الأمر على التمثيل من نحو موت الملوك والقادة ومن عظُم قدره عندهم ، فيُخبر الله عز وجل أن موت فرعون وأتباعه لم يعظم على أهل السماء والأرض لما [ لا قدر لهم ]{[19113]} عندهم ، والله أعلم .


[19113]:في الأصل وم: قدر.