المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

5- أَنُهْملكم فنمنع إنزال القرآن إليكم إعراضاً عنكم ، لإسرافكم على أنفسكم في الكفر ، لا يكون ذلك ، لاقتضاء الحكمة إلزامكم الحجة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

قوله تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً } يقال : ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه ، والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، وذلك حين توليه صفحة وجهك وعنقك ، والمراد بالذكر القرآن . ومعناه : أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان ؟ استفهام بمعنى الإنكار ، أي : لا نفعل ذلك ، وهذا قول قتادة وجماعة . قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته ، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله . وقيل : معناه : أفنضرب عنكم بذكرها إياكم صافحين معرضين . قال الكسائي ، والسدي : فنطوي عنكم الذكر طياً فلا تدعون ولا توعظون . وقال الكلبي : أفنترككم سدىً لا نأمركم ولا ننهاكم . وقال مجاهد والسدي : أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم . { أن كنتم قوما مسرفين } قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بكسر الهمزة ، على معنى : إذ كنتم ، كقوله :{ وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ( آل عمران-139 ) ، وقرأ الآخرون بالفتح ، على معنى : لأن كنتم قوماً مسرفين مشركين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

ثم أخبر تعالى أن حكمته وفضله يقتضي أن لا يترك عباده هملا ، لا يرسل إليهم رسولا ، ولا ينزل عليهم كتابا ، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال :

{ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا } أي : أفنعرض عنكم ، ونترك إنزال الذكر إليكم ، ونضرب عنكم صفحا ، لأجل إعراضكم ، وعدم انقيادكم له ؟ بل ننزل عليكم الكتاب ، ونوضح لكم فيه كل شيء ، فإن آمنتم به واهتديتم ، فهو من توفيقكم ، وإلا قامت عليكم الحجة ، وكنتم على بينة من أمركم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

وبعد هذا البيان المشرف للقرآن الكريم ، أتبع - سبحانه - ذلك بالكشف عن مدى الإِسراف القبيح الذى ارتكبه المشركون حين أعرضوا عنه فقال - تعالى - : { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } .

والهمزة للاستفهام الإِنكارى ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والضرب هنا : بمعنى التنحى والابتعاد والإِهمال ، تقول : ضربت عن فلان صفحا ، إذا أعرضت عنه وتركته ، والصفح : مصدر صفحت عنه ، إذا أعرضت عنه ، وذلك بأن تعطيه صفحة وجهك أى : جانبه .

وهو منصوب لنضرب من غير لفظة ، كما فى قولهم : قعدت جلوسا . أو على الحال من الفاعل : على المصدرية أى : صافحين .

والمراد بالذكر هنا : القرآن الكريم .

والمعنى : أنعرض عنكم ونهملكم فلا نذكركم بالقرآن الكريم ، ولا نرشدكم إلى هداياته . بسبب إسرافكم على أنفسكم ، ومحاربتكم للحق ، وإيثاركم الغى على الرشد ؟ ! ! لا لن نفعل ذلك ، بل سننزل هذا القرآن على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ، ومن شاء فليكفر .

قال الشوكانى : قوله : { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } قرأ نافع وحمزة والكسائى بكسر { أَن } على أنها شرطية ، والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقرأ الباقون بفتحها على التعليل ، أى : لأن كنتم قوما منهمكين فى الإِسراف مصرين عليه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

وقوله : { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } اختلف المفسرون في معناها ، فقيل : معناها : أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به ؟ قاله ابن عباس ، ومجاهد وأبو صالح ، والسدي ، واختاره ابن جرير . {[25988]}

وقال قتادة في قوله : { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا } : والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل {[25989]} هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد بعائدته ورحمته ، وكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة ، أو ما شاء الله من ذلك .

وقول قتادة لطيف المعنى جدا ، وحاصله أنه يقول في معناه : أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير والذكر{[25990]} الحكيم - وهو القرآن - وإن كانوا مسرفين معرضين عنه ، بل أمر{[25991]} به ليهتدي من قَدّر هدايته ، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته .


[25988]:- (5) في ت: "ومجاهد وغيرهما".
[25989]:- (1) في ت: "أول".
[25990]:- (2) في ت، م، أ: "إلى الخير وإلى الذكر".
[25991]:- (3) في ت، م: "يأمر".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أفنضرب عنكم الذكر صفحا } أفنذوده ونبعده عنكم مجاز من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض ، قال طرفة :

اضرب عنك الهموم طارقها *** ضربك بالسيف قونس الفرس

والفاء للعطف على محذوف أي انهملكم فنضرب { عنكم الذكر } ، و{ صفحا } مصدر من غير لفظه فإن تنحية الذكر عنهم إعراض أو مفعول له أو حال بمعنى صافحين ، وأصله أن تولي الشيء صفحة عنقك . وقيل إنه بمعنى الجانب فيكون ظرفا ويؤيده أنه قرئ " صفحا " . بالضم ، وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح بمعنى صافحين ، والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه . { أن كنتم قوما مسرفين } أي لأن كنتم ، وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض عنهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي { إن } بالكسر على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق مخرج المشكوك استجهالا لهم ، وما قبلها دليل الجزاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

الفاء لتفريع الاستفهام الإنكاري على جملة { إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون } [ الزخرف : 3 ] ، أي أتحسبون أن إعراضكم عما نزل من هذا الكتاب يبعثنا على أن نقطع عنكم تجدد التذكير بإنزال شيء آخر من القرآن . فلما أريدت إعادة تذكيرهم وكانوا قد قدم إليهم من التذكير ما فيه هديهم لو تأملوا وتدبروا ، وكانت إعادة التذكير لهم موسومة في نظرهم بقلة الجدوى بيّن لهم أن استمرار إعراضهم لا يكون سبباً في قطع الإرشاد عنهم لأن الله رحيم بهم مريد لصلاحهم لا يصده إسرافهم في الإنكار عن زيادة التقدم إليهم بالمواعظ والهَدي .

والاستفهام إنكاري ، أي لا يجوز أن نضرب عنكم الذكر صفحاً من جراء إسرافكم .

والضرب حقيقته قرع جسم بآخر ، وله إطلاقات أشهرها : قرع البعير بعصا ، وهو هنا مستعار لمعنى القطع والصرف أخذاً من قولهم : ضَرَبَ الغرائبَ عن الحَوْضضِ ، أي أطردَها وصرفها لأنها ليست لأهل الماء ، فاستعاروا الضرب للصرف والطرد ، وقال طرفة :

أضْرِبَ عنك الهمومَ طارقَها *** ضَرْبَك بالسَّيْفِ قَوْنَس الفَرَس{[372]}

والذكر : التذكير ، والمراد به القرآن .

والصَّفح : الإعراض بِصَفْح الوجه وهو جانبُه وهو أشد الإعراض عن الكلام لأنه يجْمع تركَ استماعه وتركَ النظر إلى المتكلم .

وانتصب { صفحاً } على النيابة عن الظرف ، أي في مكان صَفْح ، كما يقال : ضَعْهُ جانباً ، ويجوز أن يكون { صفحاً } مصدر صَفَح عن كذا ، إذا أعرض ، فينتصب على المفعول المطلق لبيان نوع الضرب بمعنى الصرف والإعراض .

والإسراف : الإفراط والإكثار ، وأغلب إطلاقه على الإكثار من الفعل الضائر . ولذلك قيل « لا سرَف في الخير » والمقام دال على أنّهم أسرفوا في الإعراض عن القرآن .

وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف { إن كنتم } بكسر همزة { إنْ } فتكون { إنْ } شرطية ، ولما كان الغالب في استعمال { إِنْ } الشرطية أن تقع في الشرط الذي ليس متوَقعاً وقوعُه بخلاف ( إِذَا ) التي هي للشرط المتيقن وقوعه ، فالإتْيَان ب { إنْ } في قوله : { إنْ كنتم قوماً مسرفين } لقصد تنزيل المخاطبين المعلوم إسرافهم منزلة من يُشَك في إسرافه لأن توفر الأدلّة على صدق القرآن من شأنه أن يزيل إسرافهم وفي هذا ثقة بحقّيّة القرآن وضَرب من التوبيخ على إمعانهم في الإعراض عنه . وقرأه ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بفتح الهمزة على جعل { أنْ } مصدرية وتقديرِ لام التعليل محذوفاً ، أي لأجل إسرافكُم ، أي لا نترك تذكيركم بسبب كونكم مسرفين بل لا نزال نعيد التذكير رحمة بكم .

وإقحام { قوماً } قبل { مسرفين } للدلالة على أن هذا الإسراف صار طبعاً لهم وبه قِوام قوميتهم ، كما قدمناه عند قوله تعالى : { لآياتتٍ لقوممٍ يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) .


[372]:- ( اضرب) فعل أمر فهمزته همزة وصل مكسورة. وجاء به مفتوح الآخر على تقدير نون التوكيد ضرورة، و (طارقها) بدل من ( الهموم)، أي التي تحدث لك في الليل، و( القونس) عظم ناتئ أذني الفرس إذا ضرب بالسيف في الحرب هلك الفرس، أراد: اضرب الهموم ضربا قاطعا.