الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً } يعني : أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز ، من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض . ومنه قول الحجاج : ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل . وقال طرفة :

اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِفَهَا *** ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ

والفاء للعطف على محذوف ، تقديره : أنهملكم فنضرب عنكم الذكر ، إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم على إنزاله الكتاب . وخلقه قرآناً عربياً ؛ ليعقلوه ويعملوا بمواجبه . وصفحاً على وجهين . إما مصدر من صفح عنه : إذا أعرض ، منتصب على أنه مفعول له ، على معنى : أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم . وإمّا بمعنى الجانب من قولهم : نظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه ، على معنى : أفننحيه عنكم جانباً ، فينتصب على الظرف كما تقول : ضعه جانباً ، وامش جانباً . وتعضده قراءة من قرأ «صفحاً » بالضم . وفي هذه القراءة وجه آخر : وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح ، وينتصب على الحال ، أي : صافحين معرضين { إِن كُنتُمْ } أي : لأن كنتم . وقرىء «أَن كنتم » وإذ كنتم .

فإن قلت : كيف استقام معنى إن الشرطية ، وقد كانوا مسرفين على البتّ ؟ قلت : هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر ، المتحقق لثبوته ، كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي ، وهو عالم بذلك ؛ ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق : فعل من له شك في الاستحقاق ، مع وضوحه استجهالاً له .