الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً } . اختلفوا في معناه . فقال قوم : أفنضرب عنكم العذاب ونمسك ونعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم ، وهذا قول مجاهد والسدي ، ورواية الوالبي عن ابن عباس . قال : أفحسبتم إنّه يصفح عنكم ولما تعقلوا ما أَمرتم به ، وقال آخرون : معناه أفنمسك عن إنزال القرآن ونتركه من أجل أنّكم لا تؤمنون به فلا ننزله ولا نكرره عليكم ، وهذا قول قتادة وإبن زيد .

وقال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رُفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة . أو ما شاءَ الله من ذلك .

وقال الكلبي : أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم . الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيًّا ، فلا تدعون ولا توعظون .

وهذا من فصيحات القرآن ، والعرب تقول لمن أَمسك عن الشيء وأعَرض عنه : ضرب عنه صفحاً ، والأصل في ذلك إنّك إذا أعرضت عنه ولّيته صفحة عنقك ، قال كثير :

صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلَةً *** فمن ملّ منها ذلك الوصل مَلّتِ

أي معرضة بوجهها ، وضربت عن كذا وأَضربت ، إذا تركته وأمسكت عنه .

{ أَن كُنتُمْ } قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ عاصماً أن تُكتب الألف على معنى إذ . كقوله :

{ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 278 ] ، وقوله :

{ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] .

وقرأ الآخرون بالفتح على معنى لأنّ كنتم أرادوا على معنى المضي كما يقول في الكلام : أَسبّك إن حرمتني ، يريد إذا حرمتني . قال أبو عبيدة : والنّصبُ أَحبُّ إليَّ ؛ لأنّ الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم وعلمه قبل ذلك من فعلهم .

{ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } مُشركين متجاوزين أمر الله .