قوله : { صَفْحاً } : فيه خمسةُ أوجهٍ ، أحدها : أنَّه مصدرٌ في معنى يَضْرِب ؛ لأنه يُقال : ضَرَبَ عن كذا وأَضْرَبَ عنه ، بمعنى أعرض عنه ، وصَرَف وجهَه عنه . قال :
3981 اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها *** ضَرْبَك بالسيفِ قَوْنَسَ الفرسِ
والتقديرُ : أَفَنَصْفَحُ عنكم الذِّكْرَ أي : أفَنُزِيْلُ القرآنَ عنكم إزالةً ، يُنْكِرُ عليهم ذلك . الثاني : أنَّه منصوبٌ على الحالِ من الفاعل أي : صافِحين . الثالث : أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمونِ الجملةِ ، فيكونَ عاملُه محذوفاً ، نحو : { صُنْعَ اللَّهِ } [ النمل : 88 ] قاله ابنُ عطية . الرابع : أن يكونَ مفعولاً من أجله . الخامس : أَنْ يكونَ منصوباً على الظرف . قال الزمخشري : " وصَفْحاً على وجهَيْن : إمَّا مصدرٍ مِنْ صَفَح عنه إذا أَعْرَضَ عنه ، منتصبٍ على أنَّه مفعولٌ له على معنى : أَفَنَعْزِلُ عنكم إنْزالَ القرآنِ وإلزامَ الحجةِ به إعراضاً عنكم . وإمَّا بمعنى الجانبِ مِنْ قولِهم : نَظَرَ إليه بصَفْحِ وَجْهِه . وصَفْحُ وَجْهِه بمعنى : أفَنُنَحِّيه عنكم جانباً ، فينتصبُ على الظرف نحو : ضَعْه جانباً وامْشِ جانباً . وتَعْضُدُه قراءةُ " صُفْحاً " بالضم " . قلت : يشيرُ إلى قراءةِ حسان ابن عبد الرحمن الضبعي وسميط بن عمير وشبيل بن عزرة قَرؤوا " صُفْحاً " بضم الصاد . وفيها احتمالان ، أحدهما : ما ذكره مِنْ كونِه لغةً في المفتوحِ ويكونُ ظرفاً . وظاهرُ عبارةِ أبي البقاء أنَّه يجوزُ فيه جميعُ ما جاز في المفتوح ؛ لأنه جَعَله لغةً فيه كالسُّد والسَّد . والثاني : أنه جمعُ صَفُوح نحو : صَبور وصُبُر . فينتصبُ حالاً مِنْ فاعل نَضْرِب . وقَدَّر الزمخشري على عادته فِعْلاً بين الهمزةِ والفاءِ أي : أنُهمِلُكم فَنَضْرِب . وقد عَرَفْتَ ما فيه غيرَ مرةٍ .
قوله : " أنْ كُنتم " قرأ نافعٌ والأخَوان بالكسر على أنها شرطيةٌ ، وإسرافُهم كان متحققاً ، و " إنْ " إنما تدخلُ على غير المتحقِّق ، أو المتحقِّقِ المبهم الزمانِ . وأجاب الزمخشريُّ : " أنَّه من الشرط الذي يَصْدُر عن المُدِلِّ بصحةِ الأمرِ والتحقيق لثبوتِه ، كقول الأجير : " إنْ كنتُ عَمِلْتُ لك عملاً فَوَفِّني حقي " وهو عالمٌ بذلك ، ولكنه يُخَيَّلُ في كلامِه أَنَّ تفريطَك في إيصالِ حقي فِعْلُ مَنْ له شكٌّ في استحقاقِه إياه تجهيلاً له " . وقيل : المعنى على المجازاةِ والمعنى : أفنضرِبُ عنكم الذِّكر صَفْحاً متى أَسْرَفتم أي : إنكم غيرُ متروكين من الإِنذار متى كنتم قوماً مُسْرفين . وهذا أراد أبو البقاء بقولِه : " وقرئ إنْ بكسرِها على الشرط ، وما تقدَّم يدلُّ على الجواب " . والباقون بالفتحِ على العلَّة أي : لأَنْ كنتم ، كقول الشاعر :
3982 أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخليطُ المُوَدَّعُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
3983 أتَجْزَعُ أنْ أُذْنا قتيبةَ حُزَّتا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يُرْوَى بالكسر والفتح ، وقد تقدَّم نحوٌ من هذا أول المائدة ، وقرأ زيد بن علي " إذ " بذالٍ عوضَ النونِ ، وفيها معنى العلَّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.