ثم قال تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحا } ( صفحا ) مصدر ، كأنه قال : أفنصفح عنكم صفحا{[61146]} .
وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، كأنه قال : أفنضرب عنكم الذكر صافحين{[61147]} . كما نقول : جاء زيد مشيا ، أي : ماشيا .
ويجوز أن يكون صفحا بمعنى : ذو صفح ، كما تقول : رجل عدل ( ورضيى أي : عادل وراض ){[61148]} ، وذو عدل وذو رضى{[61149]} . يقال : أضربت{[61150]} عنك بمعنى : أعرضت{[61151]} عنك وتركتك{[61152]} .
والمعنى : أفنعرض عنكم أيها الناس ونترككم سدى لا نذكركم بعقابنا{[61153]} من أجل أنكم قوم مشركون .
قال مجاهد : معناه ، أفتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون{[61154]} .
وقال السدي : معناه : ( أفنضرب عنكم العذاب ){[61155]} .
وقال ابن عباس : معناه : ( أحسبتم أن نصفح عنكم ولما{[61156]} تفعلوا{[61157]} ما أمرتم به ){[61158]} .
وقال قتادة : ( معنى ){[61159]} : { أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين } أي : مشركين/ ، والله لو كان هذا{[61160]} القرآن ( رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم فدعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك ){[61161]} .
قال الضحاك : الذكر هنا : القرآن{[61162]} . وقال أبو صالح : الذكر : العذاب{[61163]} . وقيل : ( الذكر : التذكير ){[61164]} . والمعنى : أفنترك تذكيركم{[61165]} بهذا القرآن فلا نذكركم{[61166]} به عقاب{[61167]} الله وثوابه لأن كنتم قوما مسرفين . وهو مروي عن ابن عباس{[61168]} .
فيكون المعنى : فنهملكم{[61169]} ( ونذكركم ){[61170]} سدى ولا نذكركم ( لأنكم ){[61171]} كنتم قوما مسرفين .
وهذا كله على قراءة من فتح ( أن ) ، فأما من كسر ( أن ){[61172]} فقد رده{[61173]} أبو حاتم وغيره ، لأنهم إنما{[61174]} وبخوا على شيء قد ثبت{[61175]} ومضى ، فهذا موضع المفتوحة لأنها لما مضى .
والمكسورة معناها لما{[61176]} يأتي . فكيف يوبخون على شيء لم يفعلوه بعد .
والكسر عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء جيد حسن ، ومعناه الحال عند الزجاج لأن في الكلام معنى التقرير والتوبيخ{[61177]} .
وقال سيبويه : سألت الخليل عن ( قول الشاعر وهو{[61178]} ) الفرزدق{[61179]} :
أتغضب{[61180]} أنْ أذْنا قتيبة حُُزَّتا{[61181]} *** جهارا{[61182]} ولم تغضض لقتل ابن حازم{[61183]} .
فقال : هي مكسورة لأنه قبيح أن يفصل بين أن والفعل{[61184]} ، يريد أن ( أنْ ){[61185]} المفتوحة لا يفرق بينها وبين الفعل وهو ( حزتا ) .
وأن المكسورة يجوز ذلك فيها على إضمار فعل آخر ، قال الله جل ذكره : { وإن أحد من المشركين استجارك } ( أي : وإن استجارك أحد من المشركين استجارك ){[61186]} . فعلى{[61187]} هذا تقدير البيت إن كسرت والتقدير : إن حزت{[61188]} أذنا قتيبة حزتا .
ويجوز عند كثير من النحويين أن تكسر{[61189]} الألف . ويكون المعنى للماضي{[61190]} في البنية واللفظ للاستقبال{[61191]} . وعلى ذلك قرأ أبو عمرو ، وابن كثير : { أن صدوكم عن المسجد الحرام }{[61192]} بالكسر{[61193]} .
وعلى ذلك يتأول قول الله جل ذكره { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يومنوا }{[61194]} والكسر في هذا إجماع من القراء{[61195]} وتركهم للإيمان{[61196]} أمر قد تقدم وكان . فهو – لو حمل على نظائره – في موضع المفتوحة . ولم يقرأ به أحد . فدل ذلك على جواز الكسر وحسنه في هذه السورة وفي المائدة ( وفي غيرها ){[61197]} على معنى : إن وقع ذلك . وعلى ذلك اختلف القراء{[61198]} في قوله : { وامرأة مومنة إن وهبت نفسها }{[61199]} .
والمشهورة{[61200]} من القراء{[61201]} على الكسر أجمعوا .
وقد قرئ{[61202]} بالفتح على أنه أمر قد كان وانقضى{[61203]} .
والكسر على معنى : إن وقع ذلك فيما يستقبل ، وعلى هذا يجوز في البيت الكسر وفي ( الآيات المذكورات ){[61204]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.