مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

ثم قال تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ نافع وحمزة والكسائي { إن كنتم } بكسر الألف تقديره : إن كنتم مسرفين لا نضرب عنكم الذكر صفحا ، وقيل ( إن ) بمعنى إذ كقوله تعالى : { وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وبالجملة فالجزاء مقدم على الشرط ، وقرأ الباقون بفتح الألف على التعليل أي لأن كنتم مسرفين .

المسألة الثانية : قال الفراء والزجاج يقول ضربت عنه وأضربت عنه أي تركته وأمسكت عنه وقوله { صفحا } أي إعراضا والأصل فيه أنك توليت بصفحة عنقك وعلى هذا فقوله { أفنضرب عنكم الذكر صفحا } تقديره : أفنضرب عنكم إضرابنا أو تقديره أفنصفح عنكم صفحا ، واختلفوا في معنى الذكر فقيل معناه أفنرد عنكم ذكر عذاب الله ، وقيل أفنرد عنكم النصائح والمواعظ ، وقيل أفنرد عنكم القرآن ، وهذا استفهام على سبيل الإنكار ، يعني إنا لا نترك هذا الإعذار الإنذار بسبب كونكم مسرفين ، قال قتادة : لو أن هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ولكن الله برحمته كرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة إذا عرفت هذا فنقول هذا الكلام يحتمل وجهين : ( الأول ) الرحمة يعني أن لا نترككم مع سوء اختياركم بل نذكركم ونعظكم إلى أن ترجعوا إلى الطريق الحق ( الثاني ) المبالغة في التغليظ يعني أتظنون أن تتركوا مع ما تريدون ، كلا بل نلزمكم العمل وندعوكم إلى الدين ونؤاخذكم متى أخللتم بالواجب وأقدمتم على القبيح .

المسألة الثالثة : قال صاحب «الكشاف » : الفاء في قوله { أفنضرب } للعطف على محذوف تقديره أنهملكم فنضرب عنكم الذكر .