المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

227- لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة ، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم ، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء ، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق ، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أي مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

قوله تعالى : { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } أي يكذبون في شعرهم ، يقولون : فعلنا وفعلنا ، وهم كذبة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن المجعد ، أنبأنا شعبة عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " . ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ، ويهجون الكفار ، وينافحون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منهم : حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، فقال :

قوله تعالى : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو الحسين علي بن عبد الله بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل " .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت ، عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول :

‌‌خلوا بني الكفار عن سبيله *** اليوم نضربكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله

فقال له عمر : يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خل عنه يا عمر ، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا شعبة ، أخبرني عدي أنه سمع البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان : " اهجهم أو هاجهم وجبريل معك " .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر المعنى واحد قالا : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ، ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي عن جدي ، حدثنا خالد بن زيد ، حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل ، فأرسل إلى ابن رواحة فقال : أهجهم ، فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب بن مالك ، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت ، فلما دخل عليه قال حسان : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه ، فجعل يحركه ، فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعجل ، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها ، وإن لي فيهم نسباً حتى يخلص لك نسبي ، فأتاه حسان ثم رجع ، فقال : يا رسول الله قد خلص لي نسبك ، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين . قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان : إن روح القدس لا يزال يؤيدك ، ما نافحت عن الله ورسوله ، وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هجاهم حسان فشفى واشتفى " قال حسان :

هجوت محمداً فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمداً براً حنيفاً *** رسول الله شيمته الوفاء

فإن أبي ووالدتي وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء

فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء

وجبريل رسول الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من الشعر لحكمة " . قالت عائشة رضي الله عنها : الشعر كلام ، فمنه حسن ، ومنه قبيح ، فخذ الحسن ودع القبيح .

وقال الشعبي : كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر ، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر ، وكان علي رضي الله تعالى عنه أشعر الثلاثة . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده ، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال :

أمن آل نعمى أنت غاد فمبكر *** غداة غد أم رائح فمهجر

فأنشده ابن أبي ربيعة القصيدة إلى آخرها ، وهي قريبة من سبعين بيتاً ، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها ، وكان حفظها بمرة واحدة . { وذكروا الله كثيراً } أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال مقاتل : انتصروا من المشركين ، لأنهم بدؤوا بالهجاء . ثم أوعد شعراء المشركين فقال : { وسيعلم الذين ظلموا } أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أي منقلب ينقلبون } أي مرجع يرجعون بعد الموت . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إلى جهنم والسعير . والله أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

ولما وصف الشعراء بما وصفهم به ، استثنى منهم من آمن بالله ورسوله ، وعمل صالحا ، وأكثر من ذكر الله ، وانتصر من أعدائه المشركين من بعد ما ظلموهم .

فصار شعرهم من أعمالهم الصالحة ، وآثار إيمانهم ، لاشتماله على مدح أهل الإيمان ، والانتصار من أهل الشرك والكفر ، والذب عن دين الله ، وتبيين العلوم النافعة ، والحث على الأخلاق الفاضلة فقال : { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } ينقلبون إلى موقف وحساب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها ، ولا حقا إلا استوفاه . والحمد لله رب العالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

وقوله - تعالى : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ . . . } استثناء من الشعراء المذمومين الذين يتبعهم الغاوون ، والذين هم فى كل واد يهيمون .

أى : إلا الشعراء الذين آمنوا بالله - تعالى - وعملوا الأعمال الصالحات وذكروا الله كثيرا بحيث لا يشغلهم شعرهم عن طاعة الله ، وانتصروا من بعد ما ظلموا من أعدائهم الكافرين ، بأن ردوا على أباطيلهم ، ودافعوا عن الدين الحق .

إلا هؤلاء ، فإنهم لا يكونون من الشعراء المذمومين ، بل هم من الشعراء الممدوحين .

قال ابن كثير : لما نزل قوله - تعالى - : { والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون } جاء حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون وقالوا : قد علم الله - تعالى - أنا شعراء ، فتلا عليهم النبى صلى الله عليه وسلم : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } قال : أنتم . { وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً } قال : أنتم { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قال : أنتم " .

فالشعراء : منهم المذمومون وهم الذين فى كل واد يهيمون ويقولون مالا يفعلون . .

ومنهم الممدوحون وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا .

والشعر فى ذاته كلام : حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، فخذ الحسن ، واترك القبيح .

وقد تكلم العلماء هنا كلاما طويلا يتعلق بتفسير هذه الآيات التى تحدثت عن الشعراء فارجع إليه إن شئت .

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله - تعالى - { وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

والمنقلب : المرجع والمصير ، وهو مفعول مطلق . أى : ينقلبون أى انقلاب والجملة الكريمة مشتملة على أشد ألوان التهديد والوعيد للظالمين .

قال القرطبى : ومعنى : { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } أى مصير يصيرون ، وأى مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبح مصير ، ومرجعهم إلى العقاب وهو شر مرجع يرجعون ، والفرق بين المنقلب والمرجع : أن المنقلب : الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع : العود من حال هو فيها ، إلى حال كان عليها ، فصار كل مرجع منقلبا ، وليس كل منقلب مرجعا .

وقال الإمام ابن كثير : والصحيح أن هذه الآية عامة فى كل ظالم . . . وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كتب أبى وصيته من سطرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبى قحافة ، عند خروجه من الدنيا ، حين يؤمن الكافر ، وينتهى الفاجر ، ويصدق الكاذب . إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن يعدل فذاك ظنى به ، ورجائى فيه ، وإن يظلم ويبدل فلا أعلم الغيب { وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

192

ومن ثم يستثني القرآن الكريم من ذلك الوصف العام للشعراء :

( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا ، وانتصروا من بعد ما ظلموا ) . .

فهؤلاء ليسوا داخلين في ذلك الوصف العام . هؤلاء آمنوا فامتلأت قلوبهم بعقيدة ، واستقامت حياتهم على منهج . وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل ، ولم يكتفوا بالتصورات والأحلام . وانتصروا من بعد ما ظلموا فكان لهم كفاح ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا إلى نصرة الحق الذي اعتنقوه .

ومن هؤلاء الشعراء الذين نافحوا عن العقيدة وصاحبها في إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة - رضي الله عنهم - من شعراء الأنصار ، ومنهم عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد كانا يهجوان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في جاهليتهما ، فلما أسلما حسن إسلامهما ومدحا رسول الله ونافحا عن الإسلام .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال لحسان : " اهجهم - أو قال هاجهم - وجبريل معك " . . وعن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أنه قال للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل . فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " [ رواه الإمام أحمد ]

والصور التي يتحقق بها الشعر الإسلامي والفن الإسلامي كثيرة غير هذه الصورة التي وجدت وفق مقتضياتها . وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها ، ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام .

وليس من الضروري أن يكون دفاعا ولا دفعا ؛ ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيدا له أو لأيام الإسلام ورجاله . . ليس من الضروري أن يكون في هذه الموضوعات ليكون شعرا إسلاميا . وإن نظرة إلى سريان الليل وتنفس الصبح ، ممزوجة بشعور المسلم الذي يربط هذه المشاهد بالله في حسه لهي الشعر الإسلاميفي صميمه . وإن لحظة إشراق واتصال بالله ، أو بهذا الوجود الذي أبدعه الله ، لكفيلة أن تنشئ شعرا يرضاه الإسلام .

ومفرق الطريق أن للإسلام تصورا خاصا للحياة كلها ، وللعلاقات والروابط فيها . فأيما شعر نشأ من هذا التصور فهو الشعر الذي يرضاه الإسلام .

وتختم السورة بهذا التهديد الخفي المجمل :

( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) . .

السورة التي اشتملت على تصوير عناد المشركين ومكابرتهم ، واستهتارهم بالوعيد واستعجالهم بالعذاب . كما اشتملت على مصارع المكذبين على مدار الرسالات والقرون .

تنتهي بهذا التهديد المخيف . الذي يلخص موضوع السورة . وكأنه الإيقاع الأخير المرهوب ؛ يتمثل في صور شتى ، يتمثلها الخيال ويتوقعها . وتزلزل كيان الظالمين زلزالا شديدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا } استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته ، ولو قالوا هجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم ومكافحة هجاة المسلمين كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت والكعبين ، و كان عليه الصلاة والسلام يقول لحسان " قل وروح القدس معك " . وعن كعب بن مالك أنه عليه الصلاة السلام قال له " اهجوا فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } تهديد شديد لما في " سيعلم " من الوعيد البليغ وفي " الذين ظلموا " من الإطلاق والتعميم ، وفي " أي منقلب ينقلبون " أي بعد الموت من الإيهام والتهويل ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنهما حين عهد إليه ، وقرىء " أي منفلت ينفلتون " من الانفلات وهو النجاة والمعنى : أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا عن عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة{[8974]} ، وقوله { وذكروا الله كثيراً } يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد ، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس ، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء ، وقوله { وانتصروا } إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة ، «وانتصروا بمثل ما ظلموا » ، وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم ، وعمل { ينقلبون } في { أي } لتأخيره{[8975]} . والحول والقوة لله عز وجل ، والله تبارك وتعالى أعلم .


[8974]:أخرج مثله عن أبي هريرة ابن مردويه، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) قال: (وأتاه قرظة بن كعب، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت فقالوا: إنا نقول الشعر،و قد نزلت هذه الآية، فقال رسول الله عليه الله عليه: اقرؤوا، فقروا: {والشعراء.... إلى قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال : أنتم هم، {وذكروا الله كثيرا}، قال: أنتم هم: {وانتصروا من بعد ما ظلموا} قال: أنتم هم).
[8975]:ومعنى {أي منقلب ينقلبون}: أي مصير يصيرون، وأي مرجع يرجعون؛ لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع وقال الماوردي: الفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب هو الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود إلى حال كان عليها من حال هو فيها، فصار كل مرجع منقلبا، وليس كل منقلب مرجعا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كتب أبي في وصيته سطرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن قحافة عند خروجه من الدنيا، حين يؤمن الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب: إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

{ إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا }

وقد كُني باتباع الغاوين إياهم عن كونهم غاوين ، وأفيد بتفظيع تمثيلهم بالإبل الهائمة تشويه حالتهم ، وأن ذلك من أجل الشعر كما يؤذن به إناطة الخبر بالمشتق ، فاقتضى ذلك أن الشعر منظور إليه في الدين بعين الغضّ منه ، واستثناء { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الخ . . . من عموم الشعراء ، أي من حكم ذمّهم . وبهذا الاستثناء تعيّن أن المذمومين هم شعراء المشركين الذين شغلهم الشعر عن سماع القرآن والدخول في الإسلام .

ومعنى : { وذكروا الله كثيراً } إي كان إقبالهم على القرآن والعبادة أكثر من إقبالهم على الشعر . { وانتصروا من بعد ما ظلموا } وهم مَن أسلموا من الشعراء وقالوا الشعر في هجاء المشركين والانتصارِ للنبيء صلى الله عليه وسلم مثل الذين أسلموا وهاجروا إلى الحبشة ، فقد قالوا شعراً كثيراً في ذم المشركين . وكذلك من أسلموا من الأنصار كعبد الله بن رَواحة ، وحسانَ بن ثابت ومن أسلم بعدُ من العرب مثل لَبيد ، وكعب بن زهير ، وسُحيم عبد بني الحسحاس ، وليس ذكر المؤمنين من الشعراء بمقتضي كون بعض السُّورة مدنيّاً كما تقدم في الكلام على ذلك أول السورة .

وقد دلت الآية على أن للشعر حالتين : حالة مذمومة ، وحالة مأذونة ، فتعين أن ذمه ليس لكونه شعراً ولكن لما حفّ به من معان وأحوال اقتضت المذمة ، فانفتح بالآية للشعر بابُ قبول ومدح فحقّ على أهل النظر ضبط الأحوال التي تأوي إلى جانب قبوله أو إلى جانب مدحه ، والتي تأوي إلى جانب رفضه . وقد أومأ إلى الحالة الممدوحة قوله : { وانتصروا من بعد ما ظلموا } ، وإلى الحالة المأذونة قوله : { وعملوا الصالحات } . وكيف وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الشعر مما فيه محامد الخصال واستنصتَ أصحابُه لشعر كعب بن زهير مما فيه دقة صفات الرواحل الفارهة ، على أنه أذِن لحسان في مهاجاة المشركين وقال له : « كلامك أشد عليهم من وقع النبل . . » وقال له : « قل ومعك روح القدس » . وسيأتي شيء من هذا عند قوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } في سورة يس ( 69 ) . وأجاز عليه كما أجاز كعبَ بن زهير فخلع عليه بردته ، فتلك حالة مقبولة لأنه جاء مؤمناً .

وقال أبو هريرة : سمعت رسول الله يقول على المنبر : أصدَقُ كلمةٍ ، أو أشْعَر كلمة قالتها العرب كلمةُ لبيد :

ألا كُلُّ شيء ما خلا الله باطل

وكان يستنشد شعر أمية بن أبي الصلت لما فيه من الحكمة وقال : كاد أميةُ أن يُسلم ، وأمر حسّاناً بهجاء المشركين وقال له : قُل ومعك رُوح القدس . وقال لكعبِ بن مالك : لكلامُك أشد عليهم من وقْع النبْل .

روى أبو بكر ابن العربي في « أحكام القرآن » بسنده إلى خُريم بن أوس بن حارثة أنه قال : هاجرت إلى رسول الله بالمدينة منصرَفَه من تبوك فسمعت العباس قال : يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك . فقال : قُل لا يفضُض الله فاك . فقال العباس :

من قبلِها طبتَ في الظلال وفي *** مُستَوْدَع حيثُ يخصف الوَرق

الأبيات السبعة . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا يفضض الله فاك "

وروى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبدُ الله بن رواحة يمشي بين يديه يقول :

خَلُّوا بني الكفار عن سبيله *** اليومَ نضربكم على تنزيله

ضَرباً يُزيل الهامَ عن مقيله *** ويُذهل الخليلَ عن خليله

فقال له عُمر : يا ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " خَلِّ عنه يا عمر فإنه أسرع فيهم من نَضْح النبْل " .

وعن الزهري أن كعب بن مالك قال : يا رسول الله ما تقول في الشعر ؟ قال : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل " .

ولعلي بن أبي طالب شعر كثير ، وكثير منه غير صحيح النسبة إليه .

وقد بين القرطبي في « تفسيره » في هذه السورة وفي سورة النور القول في التفرقة بين حالي الشعر . وكذلك الشيخ عبد القاهر الجرجاني في أول كتاب « دلائل الإعجاز » .

ووجب أن يكون النظر في معاني الشعر وحال الشاعر ، ولم يزل العلماء يعنَون بشعر العَرب ومَن بعدهم ، وفي ذلك الشعر تحبيب لفصاحة العربية وبلاغتها وهو آيل إلى غرض شرعي من إدراك بلاغة القرآن .

ومعنى : { من بعد ما ظلموا } أي من بعد ما ظلمهم المشركون بالشتم والهجاء .

{ وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَىَّ مُنقَلَبٍ } .

ناسب ذكر الظلم أن ينتقل منه إلى وعيد الظالمين وهم المشركون الذين ظلموا المسلمين بالأذى والشتم بأقوالهم وأشعارهم . وجُعلت هذه الآية في موقع التذييل فاقتضت العموم في مسمى الظلم الشامل للكفر وهو ظلم المرء نفسه وللمعاصي القاصرة على النفس كذلك ، وللاعتداء على حقوق الناس . وقد تلاها أبو بكر في عهده إلى عمر بالخلافة بعده ، والواو اعتراضية للاستئناف .

وهذه الآية تحذير عن غمص الحقوق وحثّ عن استقصاء الجهد في النصح للأمة وهي ناطقة بأهيب موعظة وأهول وعيد لمن تدبرها لما اشتملت عليه من حرف التنفيس المؤذن بالاقتراب ، ومن اسم الموصول المؤذن بأن سوء المنقلب يترقب الظالمين لأجل ظلمهم ، ومن الإبهام في قوله : { أي منقلب ينقلبون } إذ ترك تبيينه بعقاب معيّن لتذهل نفوس المُوعَدِين في كل مذهب ممكن من هول المنقلب وهو على الإجمال منقلَب سوء .

والمنقلب : مصدر ميمي من الانقلاب وهو المصير والمآلُ ، لأن الانقلاب هو الرجوع . وفعل العلم معلق عن العمل بوجود اسم الاستفهام بعده . واسم الاستفهام في موضع نصب بالنيابة عن المفعول المطلق الذي أضيف هو إليه . قال في « الكشاف » : وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدتها .