المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

4- وهو وحده المالك ليوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة ، يتصرف فيه لا يشاركه أحد في التصرف ولو في الظاهر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

قوله تعالى : { مالك يوم الدين } . قرأ عاصم والكسائي ويعقوب ، ( مالك ) وقرأ الآخرون ( ملك ) قال قوم : معناهما واحد مثل فرهين وفارهين ، وحذرين وحاذرين ، ومعناهما الرب ، يقال رب الدار ومالكها ، وقيل المالك والملك هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ، ولا يقدر عليه أحد غير الله . قال أبو عبيدة : ( مالك ) أجمع وأوسع ، لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب ، ولا يقال ملك هذه الأشياء . ، لأنه لا يكون مالك لشيء إلا وهو يملكه ، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه . وقال قوم : ملك أولى ، لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا ، ولأنه أوفق لسائر القرآن ، مثل قوله تعالى :( فتعالى الله الملك الحق - الملك القدوس – وملك الناس ) قال ابن عباس و مقاتل و السدي : ( ملك يوم الدين ) قاضي يوم الحساب ، وقال قتادة : الدين الجزاء . ويقع على الجزاء في الخير والشر جميعاً ، كما يقال : كما تدين تدان . قال محمد بن كعب القرظي : ملك يوم لا ينفع فيه إلا الدين ، وقال يمان بن ريان : الدين القهر . يقال دنته فدان أي قهرته فذل . وقيل : الدين الطاعة أي يوم الطاعة . وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة ، فلا ملك ولا أمر إلا له ، قال الله تعالى : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) وقال : ( لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار ) وقال : ( والأمر يومئذ لله ) . وقرأ أبو عمرو : ( الرحيم ملك ) بإدغام الميم في الميم ، وكذلك يدغم كل حرفين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج ، سواء كان الحرف ساكناً أو متحركاً ، إلا أن يكون الحرف الأول مشدداً أو منوناً أو منقوصاً أو مفتوحاً أو تاء الخطاب قبله ساكن من غير المثلين ، فإنه لا يدغمهما ، وإدغام المتحرك يكون في الإدغام الكبير ، وافقه حمزة في إدغام المتحرك في قوله : ( بيت طائفة - والصافات صفا ، فالزاجرات زجرا ، فالتاليات ذكرا - والذاريات ذرواً ) وأدغم التاء فيما بعدها من الحروف ، وافقه حمزة برواية رجاء وخلف والكسائي ، إلا في الراء عند اللام والدال عند الجيم ، وكذلك لا يدغم حمزة الدال عند السين والصاد والزاي ، ولا إدغام لسائر القراء إلا في أحرف معدودة

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } المالك : هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى ، ويثيب ويعاقب ، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات ، وأضاف الملك ليوم الدين ، وهو يوم القيامة ، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم ، خيرها وشرها ، لأن في ذلك اليوم ، يظهر للخلق تمام الظهور ، كمال ملكه وعدله وحكمته ، وانقطاع أملاك الخلائق . حتى [ إنه ] يستوي في ذلك اليوم ، الملوك والرعايا والعبيد والأحرار .

كلهم مذعنون لعظمته ، خاضعون لعزته ، منتظرون لمجازاته ، راجون ثوابه ، خائفون من عقابه ، فلذلك خصه بالذكر ، وإلا ، فهو المالك ليوم الدين وغيره من الأيام .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

{ مالك يَوْمِ الدين }

بعد أن بين - سبحانه - لعباده موجبات حمده ، وأنه الجدير وحده بالحمد ، لأنه المربى الرحيم ، والمنعم الكريم ، أتبع ذلك ببيان أنه - سبحانه - { مالك يَوْمِ الدين } .

والمالك وصف من الملك - بكسر الميم - بمعنى حيازة الشيء مع القدرة على التصرف فيه . واليوم فى العرف : ما يكون من طلوع الشمس إلى غروبها ، وليس هذا مرادًا هنا ، وإنما المراد مطلق الزمن وهو يوم القيامة .

والدين : الجزاء والحساب ، يقال : دنته بما صنع ، أى : جازيته على صنيعه ، ومنه قولهم . كما تدين تدان . أى : كما تفعل تجازى ، وفى الحديث " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " أى : حاسب نفسه : والمعنى : أنه - تعالى - يتصرف فى أمور يوم الدين من حساب وثواب وعقاب ، تصرف المالك فيما يملك ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وهناك قراءة أخرى للآية وهى { مالك يَوْمِ الدين } من الملك - بضم الميم - وعليها يكون المعنى : أنه - تعالى - هو المدبر لأمور يوم الدين ، وأن له على ذلك اليوم هيمنة الملوك وسيطرتهم ، فكل شئ فى ذلك اليوم يجرى بأمره ، وكل تصرف فيه ينفذ باسمه ، كما قال - تعالى - { لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } قال الإِمام ابن كثير : " وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإِخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام فى الدنيا والآخرة . وإنما أضيف إلى يوم الدين ، لأنه لا يدعى أحد هنالك شيئًا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } والملك فى الحقيقة هو الله ، قال - تعالى - { هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام } وفى الصحيحين عن أبى هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يقبض الله الأرض ، ويطوى السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ، أين المتكبرون " ثم قال : وأما تسمية غيره فى الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال - تعالى - { إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } وفى هذه الأوصاف التى أجريت على الله تعالى ، من كونه ربا للعالمين وملكا للأمر كله يوم الجزاء ، بعد الدلالة على اختصاص الحمد به فى قوله : { الحمد للَّهِ } فى كل ذلك دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه للحمد والثناء عليه ، بل لا يستحق ذلك على الحقيقة سواه ، فإن ترتب الحكم على الوصف مشعر بعليته له " .

والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها خير وسيلة لتربية الإِنسان وغرس الإِيمان العميق فى قلبه ، لأنه إذا آمن بأن هناك يوما يظهر فيه إحسان المحسن وإساءة المسيء ، وأن زمام الحكم فى ذلك اليوم لله الواحد القهار ، فإنه في هذه الحالة سيقوى عنده خلق المراقبة لخالقه ، ويجتهد فى السير على الطريق المستقيم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

( مالك يوم الدين ) . . وهذه تمثل الكلية الضخمة العميقة التأثير في الحياة البشرية كلها كلية الاعتقاد بالآخرة . . والملك أقصى درجات الاستيلاء والسيطرة . ويوم الدين هو يوم الجزاء في الآخرة . . وكثيرا ما اعتقد الناس بألوهية الله ، وخلقه للكون أول مرة ؛ ولكنهم مع هذا لم يعتقدوا بيوم الجزاء . . والقرآن يقول عن بعض هؤلاء : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن : الله ) . . ثم يحكي عنهم في موضع آخر : بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون : هذا شيء عجيب . أئذا متنا وكنا ترابا ؟ ذلك رجع بعيد !

والاعتقاد بيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض ؛ فلا تستبد بهم ضرورات الأرض . وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات . ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود ، وفي مجال الأرض المحصور . وعندئذ يملكون العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يقدره الله ، في الأرض أو في الدار الآخرة سواء ، في طمأنينة لله ، وفي ثقة بالخير ، وفي إصرار على الحق ، وفي سعة وسماحة ويقين . . ومن ثم فإن هذه الكلية تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب ، والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان . بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها والتعلق بالقيم الربانية والاستعلاء على منطق الجاهلية . مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتها العليا التي أرادها الله الرب لعباده ، والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدر لها الكمال .

وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تتحقق هذه الكلية في تصور البشر . وما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير . وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها ، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمدا على العوض الذي يلقاه فيها . .

وما يستوي المؤمنون بالآخرة والمنكرون لها في شعور ولا خلق ولا سلوك ولا عمل . فهما صنفان مختلفان من الخلق . وطبيعتان متميزتان لا تلتقيان في الأرض في عمل ولا تلتقيان في الآخرة في جزاء . . وهذا هو مفرق الطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }

قرأ بعض القراء : { مَلِك يَوْمِ الدِّينِ } وقرأ آخرون : { مَالِكِ }{[917]} . وكلاهما صحيح متواتر في السبع .

[ ويقال : مليك أيضًا ، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ : " ملكي يوم الدين " وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، وكلاهما صحيحة حسنة ، ورجح الزمخشري ملك ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } وقوله : { قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ } وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ " مَلَكَ يومَ الدين " على أنه فعل وفاعل ومفعول ، وهذا غريب شاذ جدا ]{[918]} . وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال : حدثنا أبو عبد الرحمن الأذْرَمِيُّ ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي{[919]} بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وأول من أحدث " مَلِكِ " مروان{[920]} . قلت : مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، والله أعلم .

وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مَرْدُويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }{[921]} ومالك مأخوذ من الملْك ، كما قال : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ مريم : 40 ] وقال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ } [ الناس : 1 ، 2 ] وملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] وقال : { قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ } [ الأنعام : 73 ] وقال : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان : 26 ] .

وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، وذلك عام في الدنيا والآخرة ، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] وقال تعالى : { وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا } [ طه : 108 ] ، وقال : { يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] .

وقال الضحاك عن ابن عباس : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا . قال : ويوم الدين يوم الحساب للخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ، إلا من عفا عنه . وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف ، وهو ظاهر .

وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .

والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم{[922]} ، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، ولا ينكره ، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال : { المْلُكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } [ الفرقان : 26 ] والقول الثاني يشبه قوله : { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ } ، [ الأنعام : 73 ] والله أعلم .

والمَلِك في الحقيقة هو الله عز وجل ؛ قال الله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ } وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله ، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ " وفي القرآن العظيم : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا } ، { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ } { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } وفي الصحيحين : ( مثل الملوك على الأسرة ) .

والدين الجزاء والحساب ؛ كما قال تعالى : { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ } ، وقال : { أئنا لمدينون } أي مجزيون محاسبون ، وفي الحديث : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال عمر رضي الله عنه : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } " .


[917]:في جـ، ط، ب: قرأ بعض القراء: "مالك" وقرأ آخرون: "ملك".
[918]:زيادة من جـ، ط،أ،و
[919]:في هـ: "عبد الوهاب بن عدي بن الفضل".
[920]:المصاحف لابن أبي داود(ص104).
[921]:ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص105) والحاكم في المستدرك (2/232) من طريق ابن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "ملك يوم الدين" زاد بن أبي حاتم: "أو قال: "مالك". ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص105) والحاكم في المستدرك (2/232) من طريق ابن جريح عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : "ملك يوم الدين".
[922]:في جـ، ط: "وبين ما تقدم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ }

قال أبو جعفر : القراء مختلفون في تلاوة «ملك يوم الدين » ، فبعضهم يتلوه : «مَلِكِ يوم الدين » ، وبعضهم يتلوه : مالك يوم الدين وبعضهم يتلوه : مالِكَ يوم الدين بنصب الكاف . وقد استقصينا حكاية الرواية عمن رُوي عنه في ذلك قراءةٌ في «كتاب القراءات » ، وأخبرنا بالذي نختار من القراءة فيه ، والعلة الموجبة صحة ما اخترنا من القراءة فيه ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع ، إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيانَ عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها .

ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب ، أن المَلِكَ من «المُلْك » مشتقّ ، وأن المالك من «المِلْك » مأخوذ . فتأويل قراءة من قرأ ذلك : مَالِكِ يَوْمِ الدّين أن لله الملك يوم الدين خالصا دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكا جبابرة ينازعونه المُلْك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية . فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصّغَرة الأذلة ، وأن له دونهم ودون غيرهم المُلْك والكبرياء والعزّة والبهاء ، كما قال جل ذكره وتقدست أسماؤه في تنزيله : ( يَوْمَ هُمْ بَارزُونَ لاَ يَخْفَى على اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلّهِ الوَاحدِ القَهّارِ ) فأخبر تعالى أنه المنفرد يومئذٍ بالمُلْك دون ملوك الدنيا الذين صاروا يوم الدين من ملكهم إلى ذلة وصَغَار ، ومن دنياهم في المعاد إلى خسار .

وأما تأويل قراءة من قرأ : ( مالكِ يَوْمِ الدّينِ ) ، فما :

حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس : ( مالكِ يَوْمِ الدّينِ ) يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا . ثم قال : ( لاَ يَتَكَلّمُونَ إِلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وقالَ صَوَابا ) ، وقال : ( وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ ) ، وقال : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى ) .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية وأصحّ القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة من قرأ «مَلِك » بمعنى «المُلْك » لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك ، إذ كان معلوما أن لا ملِك إلا وهو مالك ، وقد يكون المالك لا مَلِكا .

وبعد : فإن الله جل ذكره قد أخبر عباده في الآية التي قبل قوله : ( مَالِك يَوْمِ الدينِ ) أنه مالك جميع العالمين وسيدهم ، ومصلحهم والناظر لهم ، والرحيم بهم في الدنيا والاَخرة بقوله : { الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ } .

فإذا كان جل ذكره قد أنبأهم عن مُلْكهِ إياهم كذلك بقوله : { رَبّ العَالمينَ } فأولى الصفات من صفاته جل ذكره ، أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله : ( رَبّ العَالَمِينَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ ) مع قرب ما بين الاَيتين من المواصلة والمجاورة ، إذ كانت حكمته الحكمة التي لا تشبهها حكمة .

وكان في إعادة وصفه جل ذكره بأنه مالك يوم الدين ، إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله : ( رَبّ العَالَمِينَ ) مع تقارب الاَيتين وتجاور الصفتين . وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظ مختلفة بمعانٍ متفقة ، لا تفيد سامع ما كرّر منه فائدة به إليها حاجة . والذي لم يحوه من صفاته جل ذكره ما قبل قوله : ( مالِكِ يَوْمِ الدّينِ ) المعنى الذي في قوله : «ملك يوم الدين » ، وهو وصفه بأنه المَلِك . فبينٌ إذا أن أولى القراءتين بالصواب وأحق التأويلين بالكتاب : قراءة من قرأه : «ملك يوم الدين » ، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين ، دون قراءة من قرأ : مالك يوم الدين بمعنى : أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفرّدا به دون سائر خلقه .

فإن ظنّ ظانّ أن قوله : ( رَبّ العَالَمِينَ ) نبأ عن ملكه إياهم في الدنيا دون الاَخرة يوجب وصله بالنبأ عن نفسه أنه قد ملكهم في الاَخرة على نحو مِلْكه إياهم في الدنيا بقوله : ( مالك يوم الدين ) ، فقد أغفل وظن خطأ ، وذلك أنه لو جاز لظانّ أن يظنّ أن قوله : ( رب العالمين ) محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الاَخرة مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل ، أو في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم به منقول ، أو بحجة موجودة في المعقول ، لجاز لاَخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله : ( رب العالمين ) دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين ، إذ كان صحيحا بما قد قدمنا من البيان أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده . فإن غَبِيَ عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء ، فإن في قول الله جل ثناؤه : { ولَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتابَ وَالحُكْمَ والنبُوّةَ وَرَزَقَنَاهُمْ مِنَ الطّيّباتِ وَفَضّلْناهُمْ على العَالَمِينَ } دلالة واضحة على أن عالَم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالَم الزمان الذي بعده . إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية ، وأخبرهم بذلك في قوله : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ ) الآية . فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا ، لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين ، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة ، المؤمنون به المتبعون منهاجه ، دونَ منْ سواهم من الأمم المكذّبة الضالّة عن منهاجه . فإذ كان بينا فساد تأويل متأوّل لو تأوّل قوله : ( رب العالمين ) أنه معنيّ به : أن الله ربّ عالميْ زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون عالمي سائر الأزمنة غيره ، كان واضحا فساد قول من زعم أن تأويله : رب عالم الدنيا دون عالم الاَخرة ، وأن مالك يوم الدين استحق الوصل به ليُعلم أنه في الاَخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا . وَيُسْألُ زاعم ذلك الفرق بينه وبين متحكّمٍ مثله في تأويل قوله : ( رب العالمين ) تَحَكّم ، فقال : إنه إنما عني بذلك أنه رب عالمي زمان محمد دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده ، كالذي زعم قائلُ هذا القول إنه عنى به عالم الدنيا دون عالم الاَخرة لله من أصل أو دلالة . فلن يقول في أحدهما شيئا إلا أُلزم في الاَخر مثله .

وأما الزاعم أن تأويل قوله : ( مالِكِ يَوْمِ الدّينِ ) أنه الذي يملك إقامة يوم الدين ، فإن الذي ألزمْنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم ، إذ كانت إقامة القيامة إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك في الدار التي أعد الله لهم فيها ما أعدّ . وهم العالَمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله : ( رَبّ العَالَمِينَ ) .

وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ : ( مالكَ يَوْمِ الدّينِ ) فإنه أراد : يا مالك يوم الدين ، فنصبه بنيّة النداء والدعاء ، كما قال جل ثناؤه : { يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا } بتأويل : يا يوسف أعرض عن هذا . وكما قال الشاعر من بني أسد ، وهو شعر فيما يقال جاهلي :

إنْ كُنْتَ أزْنَنْتَنِي بِها كَذِبا *** جَزْءُ ، فَلاقَيْتَ مِثْلَها عَجِلاَ

يريد : يا جزءُ . وكما قال الاَخر :

كَذَبْتُمْ وبَيْتِ اللّهِ لا تَنْكِحُونَها *** بَنِي شابَ قَرْناها تَصُرّ وتَحْلُبُ

يريد : يا بني شاب قرناها .

وإنما أورطه في قراءة ذلك بنصب الكاف من «مالك » على المعنى الذي وصفت حيرته في توجيه قوله : ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) وجهته مع جرّ : مالِكِ يَوْمِ الدّين وخفضه ، فظن أنه لا يصح معنى ذلك بعد جره : مالكِ يَوْمِ الدّينِ فنصب : «مالكَ يَوْم الدّينِ » ليكون إياكَ نعبد له خطابا ، كأنه أراد : يا مالك يوم الدين ، إياك نعبد ، وإياك نستعين . ولو كان علم تأويل أول السورة وأن «الحمد لله ربّ العالمين » ، أمر من الله عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عباس : أن جبريل قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن الله : قل يا محمد : ( الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) وقل أيضا يا محمد : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وكان عَقَل عن العرب أن من شأنها إذا حكت أو أمرت بحكاية خبر يتلو القول ، أن تخاطب ثم تخبر عن غائب ، وتخبر عن الغائب ثم تعود إلى الخطاب لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب ، كقولهم للرجل : قد قلت لأخيك : لو قمتَ لقمتُ ، وقد قلت لأخيك : لو قام لقمتُ ، لسهل عليه مخرج ما استصعب عليه وجهته من جر : مالك يَوْمِ الدّينِ ومن نظير «مالك يوم الدين » مجرورا ، ثم عوده إلى الخطاب ب«إِياك نعبد » لما ذكرنا قبل ، البيتُ السائر من شعر أبي كبير الهُذَلي :

يا لَهْفَ نَفْسِي كانَ جِدّةُ خالِد *** *** وبَياضُ وَجْهِكَ للتّرَابِ الأعْفَرِ

فرجع إلى الخطاب بقوله : «وبياض وجهك » ، بعد ما قد قضى الخبر عن خالد على معنى الخبر عن الغائب . ومنه قول لبيد بن ربيعة :

باتَتْ تَشْتَكّي إليّ النّفْسُ مُجْهِشَةً *** وقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعا بَعْد سَبْعِينا

فرجع إلى مخاطبة نفسه ، وقد تقدم الخبر عنها على وجه الخبر عن الغائب . ومنه قول الله وهو أصدق قيل وأثبتُ حجة : { حتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيّبَةٍ } فخاطب ثم رجع إلى الخبر عن الغائب ، ولم يقل : «وجرين بكم » . والشواهد من الشعر وكلام العرب في ذلك أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه . فقراءة : «مَالِكَ يَوْمِ الدّينِ » محظورة غير جائزة ، لإجماع جميع الحجة من القرّاء وعلماء الأمة على رفض القراءة بها .

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْم الدّينِ } .

قال أبو جعفر : والدين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال ، كما قال كعب بن جُعْيْل :

إذَا ما رَمَوْنا رَمَيْنَاهُمُ *** *** وَدِنّاهُمْ مِثْلَ ما يُقْرِضُونا

وكما قال الاَخر :

واعْلَمْ وأيْقِنْ أنّ مْلْكَكَ زَائِلٌ *** واعْلَمْ بأنّكَ ما تَدِينُ تُدَانُ

يعني ما تَجْزي تجازى . ومن ذلك قول الله جل ثناؤه : { كَلاّ بَلْ تُكَذّبُونَ بالدّينِ يعني بالجزاء ( وَإِنّ عَلَيْكُمْ لحَافِظِينَ ) يحصون ما تعملون من الأعمال . } وقوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِنْ كُنْتُمْ غَيْر مَدِينِينَ } يعني غير مجزيّين بأعمالكم ولا محاسبين . وللدين معان في كلام العرب غير معنى الحساب والجزاء سنذكرها في أماكنها إن شاء الله .

وبما قلنا في تأويل قوله : ( يَوْمِ الدّينِ ) جاءت الاَثار عن السلف من المفسرين ، مع تصحيح الشواهد لتأويلهم الذي تأوّلوه في ذلك .

حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس : يَوْمِ الدّين قال : يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة ، يدينهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر ، إلا من عفا عنه ، فالأمرُ أمره . ثم قال : ألاَ لَه الخَلْقُ والأمْرُ .

وحدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن حماد القنّاد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : «ملك يوم الدين » : هو يوم الحساب .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : مالكِ يَوْمِ الدّينِ قال : يَوم يدين الله العباد بأعمالهم .

وحدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : مالِكِ يَوْم الدّينِ قال : يوم يُدان الناس بالحساب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

{ مالك يوم الدين } قراءة عاصم والكسائي ويعقوب ويعضده قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله } . وقرأ الباقون : { ملك } . وهو المختار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله تعالى { لمن الملك اليوم } ولما فيه من التعظيم . والمالك هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف يشاء من الملك . والملك هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك . وقرئ ملك بالتخفيف وملك بلفظ العمل . ومالكا بالنصب على المدح أو الحال ، ومالك بالرفع منونا ومضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وملك مضافا بالرفع والنصب . ويوم الدين يوم الجزاء ومنه كما تدين تدان " وبيت الحماسة :

ولم يبق سوى العدوا *** ن دناهم كما دانوا

أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار ، ومعناه ، ملك الأمور يوم الدين على طريقة { ونادى أصحاب الجنة } أوله الملك في هذا اليوم ، على وجه الاستمرار لتكون الإضافة حقيقية معدة لوقوعه صفة للمعرفة ، وقيل { الدين } الشريعة ، وقيل الطاعة . والمعنى يوم جزاء الدين ، وتخصيص اليوم بالإضافة : إما لتعظيمه ، أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمر فيه ، وإجراء هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجدا للعالمين ربا لهم منعما عليهم بالنعم كلها ظاهرها وباطنها عاجلها وآجلها ، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب ، للدلالة على أنه الحقيق بالحمد لا أحد أحق به منه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه ، فإن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته له ، وللإشعار من طريق المفهوم على أن من لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد ، فيكون دليلا على ما بعده فالوصف الأول لبيان ما هو الموجب للحمد ، وهو الإيجاد والتربية ، والثاني والثالث للدلالة على أنه متفضل بذلك مختار فيه ، ليس يصدر منه لإيجاب بالذات أو وجوب عليه قضية لسوابق الأعمال حتى يستحق به الحمد . والرابع لتحقيق الاختصاص فإنه مما لا يقبل الشركة فيه بوجه ما ، وتضمين الوعد للحامدين والوعيد للمعرضين .