ولما كان الرب المنعوت بالرحمة قد لا يكون مالكاً وكانت الربوبية لا تتم إلا بالمِلك المفيد لتمام التصرف ، وكان المالك قد لا يكون ملكا{[171]} ولا يتم ملكه إلا بالملك المفيد للعزة المقرون بالهيبة{[172]} المثمرة{[173]} للبطش والقهر المنتج لنفوذ{[174]} الأمر اتبع ذلك بقوله : { مالِك يوم الدين } ترهيباً من سطوات مجده{[175]} . قال الحرالّي : واليوم مقدار ما يتم فيه أمر ظاهر{[176]} ، ثم قال : و { يوم الدين } في الظاهر هو يوم ظهور انفراد الحق بإمضاء المجازاة حيث تسقط دعوى المدعين ، وهو من أول يوم الحشر إلى الخلود فالأبد ، وهو في الحقيقة من أول يوم نفوذ الجزاء عند مقارفة{[177]} الذنب في باطن العامل أثر العمل إلى أشد{[178]} انتهائه في ظاهره ، لأن الجزاء لا يتأخر عن الذنب وإنما يخفى لوقوعه في الباطن وتأخره{[179]} عن معرفة ظهوره في الظاهر ، ولذلك يؤثر عنه عليه الصلاة والسلام : " إن العبد إذا أذنب نكت{[180]} في قلبه{[181]} نكتة سوداء " وأيضاً فكل عقاب يقع في الدنيا على أيدي الخلق فإنما هو جزاء من الله وإن كان أصحاب الغفلة ينسبونه{[182]} للعوائد ، كما قالوا : { مس آباءنا الضراء والسراء{[183]} } [ الأعراف :95 ] ويضيفونه للمعتدين عليهم بزعمهم ، وإنما هو كما قال{[184]} تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم{[185]} } [ الشورى :30 ] وكما{[186]} ورد عنه عليه الصلاة والسلام : " الحمى من فيح جهنم ، وإن شدة{[187]} الحر والقر من نفسها " وهي سوط الجزاء الذي أهل الدنيا بأجمعهم مضروبون به ، ومنهل التجهّم{[188]} الذي أجمعهم{[189]} واردوه{[190]} من حيث لا يشعر به أكثرهم ، قال عليه الصلاة والسلام : " المرض سوط الله في الأرض يؤدب الله به عباده " وكذلك ما يصيبهم من عذاب النفس بنوع الغم والهم والقلق والحرص وغير ذلك ، وهو تعالى مَلِك ذلك كله ومالكه ، سواء ادعى فيه مدع أو لم يدع ، فهو تعالى بمقتضى ذلك كله ملِك{[191]} يوم الدين ومالكه مطلقاً في الدنيا والآخرة وإلى الملك أنهى{[192]} الحق تعالى تنزل أمره العلي لأن به رجع الأمر عوداً على بدء{[193]} بالجزاء العائد على آثار ما جبلوا{[194]} عليه من الأوصاف تظهر{[195]} عليهم من الأفعال{[196]} كما قال تعالى :
( وسيجزيهم وصفهم{[197]} }[ الأنعام :193 ] وجزاء بما كانوا يعملون{[198]} }[ السجدة : 17 ] . [ الأحقاف : 4 ] ، [ الواقعة : 24 ] وبه تم انتهاء{[199]} الشرف العلي{[200]} وهو المجد الذي عبر عنه قوله تعالى : " مجدني عبدي " انتهى ، ولما لم يكن فرق هنا في الدلالة على الملك بين قراءة " مَلِك " وقراءة " مالك " جاءت الرواية بهما ، وذلك لأن المالك إذا أضيف إلى اليوم أفاد اختصاصه بجميع ما فيه من جوهرة وعرض ، فلا يكون لأحد معه أمر ولا معنى للمَلِك سوى هذا ، ولما لم تُفد{[201]} إضافته إلى الناس هذا المعنى لم يكن خلاف في
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.