قوله تعالى : { مالك يَوْمِ الدين } ؛ قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر : ملك بغير الألف ، وقرأ عاصم والكسائي بالألف { مالك } . فأما من قرأ { مالك } قال : لأن المالك أبلغ في الوصف ، لأنه يقال : مالك الدار ، ومالك الدابة ، ولا يقال ملك : إلا لملك من ملوك . وأما الذي قرأ : ملك بغير ألف قال : «لأن الملك أبلغ في الوصف ، لأنك إذا قلت : فلان ملك هذه البلدة ، يكون ذلك كناية عن الولاية دون الملك ؛ وإذا قلت فلان مالك هذه البلدة ، كان ذلك عبارة عن ملك الحقيقة . وروى مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتتحون الصلاة ب { الحمد للَّهِ رَبّ العالمين } وكلهم يقرؤون { مالك يَوْمِ الدين } بالألف .
قال الفقيه رحمه الله : سمعت أبي يحكي بإسناده عن أبي عبد الله ، محمد بن شجاع البلخي يقول : كنت أقرأ بقراءة الكسائي { مالك يَوْمِ الدين } بالألف ، فقال لي بعض أهل اللغة : الملك أبلغ في الوصف ، فأخذت بقراءة حمزة وكنت أقرأ { مالك يَوْمِ الدين } ، فرأيت في المنام كأنه أتاني آت فقال لي : لم حذفت الألف من { مالك } أما بلغك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اقْرَؤُوا القُرْآنَ فَخْماً مُفَخَّماً " ، فلم أترك القراءة ب : «ملك » حتى أتاني بعد ذلك آت في المنام فقال لي : لم حذفت الألف من { مالك } ؟ أما بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَناتٍ ، فَلِمَ نقّصت من حسناتك عشراً في كل قراءة ؟ فلما أصبحت ، أتيت قطرباً وكان إماماً في اللغة فقلت له : ما الفرق بين ملك ومالك ؟ فقال : بينهما فرق كثير . فأما ملك فهو ملك من الملوك ، وأما مالك فهو مالك الملوك . فرجعت إلى قراءة الكسائي .
ثم معنى قوله «مالك » يعني : قاضي وحاكم { يَوْمِ الدين } يعني : يوم الحساب كما قال تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً فِي كتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السماوات والأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلك الدين القيم فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يقاتلونكم كَآفَّةً واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين } [ التوبة : 36 وغيرها ] ، يعني الحساب القيم . وقيل أيضاً : معنى يوم الدين ، يعني يوم القضاء . كما قال تعالى : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وعاء أَخِيهِ ثُمَّ استخرجها مِن وعاء أَخِيهِ كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ في دِينِ الملك إِلاَّ أَن يشاء الله نَرْفَعُ درجات مَّن نشاء وَفَوْقَ كُلِّ ذي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] يعني : في قضائه وقيل أيضاً : { يوم الدين } يعني يوم الجزاء ، كما يقال : كما تدين تدان ، يعني كما تجازي تجازى به . فإن قيل : ما معنى تخصيص يوم الدين ؟ وهو مالك يوم الدين وغيره ، قيل له : لأن في الدنيا ، كانوا منازعين له في الملك ، مثل فرعون ونمرود وغيرهما . وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه ، وكلهم خضعوا له . كما قال تعالى : { يَوْمَ هُم بارزون لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شيء لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } [ غافر : 16 ] فأجاب جميع الخلق { قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أولياء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يستوي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تستوي الظلمات والنور أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شركاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خالق كُلِّ شيء وَهُوَ الواحد القهار }
[ الرعد : 16 ] ، وغيرها فكذلك هاهنا . قال : { مالك يَوْمِ الدين } يعني في ذلك اليوم لا يكون مالك ، ولا قاض ، ولا مجاز غيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.