مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

وأما قوله تعالى : { مالك يوم الدين } فاعلم أن الإنسان كالمسافر في هذه الدنيا ، وسنوه كالفراسخ ، وشهوره كالأميال ، وأنفاسه كالخطوات ، ومقصده الوصول إلى عالم أخراه ؛ لأن هناك يحصل الفوز بالباقيات الصالحات ، فإذا شاهد في الطريق أنواع هذه العجائب في ملكوت الأرض والسماوات فلينظر أنه كيف يكون عجائب حال عالم الآخرة في الغبطة والبهجة والسعادة ، إذا عرفت هذا فنقول : قوله { مالك يوم الدين } إشارة إلى مسائل المعاد والحشر والنشر ، وهي قسمان : بعضها عقلية محضة ، وبعضها سمعية : أما العقلية المحضة فكقولنا : هذا العالم يمكن تخريبه وإعدامه ، ثم يمكن إعادته مرة أخرى ، وإن هذا الإنسان بعد موته تمكن إعادته ، وهذا الباب لا يتم إلا بالبحث عن حقيقة جوهر النفس ، وكيفية أحوالها وصفاتها ، وكيفية بقائها بعد البدن ، وكيفية سعادتها وشقاوتها ، وبيان قدرة الله عز وجل على إعادتها ، وهذه المباحث لا تتم إلا بما يقرب من خمسمائة مسألة من المباحث الدقيقة العقلية .

وأما السمعيات فهي على ثلاثة أقسام : أحدها الأحوال التي توجد عند قيام القيامة ، وتلك العلامات منها صغيرة ، ومنها كبيرة وهي العلامات العشرة التي سنذكرها ونذكر أحوالها . وثانيها الأحوال التي توجد عند قيام القيامة ، وهي كيفية النفخ في الصور ، وموت الخلائق ، وتخريب السماوات والكواكب ، وموت الروحانيين والجسمانيين . وثالثها الأحوال التي توجد بعد قيام القيامة وشرح أحوال أهل الموقف ، وهي كثيرة يدخل فيها كيفية وقوف الخلق ، وكيفية الأحوال التي يشاهدونها ، وكيفية حضور الملائكة والأنبياء عليهم السلام ، وكيفية الحساب ، وكيفية وزن الأعمال ، وذهاب فريق إلى الجنة وفريق إلى النار ، وكيفية صفة أهل الجنة وصفة أهل النار ، ومن هذا الباب شرح أحوال أهل الجنة وأهل النار بعد وصولهم إليها ، وشرح الكلمات التي يذكرونها والأعمال التي يباشرونها ، ولعل مجموع هذه المسائل العقلية والنقلية يبلغ الألوف من المسائل ، وهي بأسرها داخلة تحت قوله { مالك يوم الدين } .