أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

{ مالك يوم الدين } قراءة عاصم والكسائي ويعقوب ويعضده قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله } . وقرأ الباقون : { ملك } . وهو المختار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله تعالى { لمن الملك اليوم } ولما فيه من التعظيم . والمالك هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف يشاء من الملك . والملك هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك . وقرئ ملك بالتخفيف وملك بلفظ العمل . ومالكا بالنصب على المدح أو الحال ، ومالك بالرفع منونا ومضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وملك مضافا بالرفع والنصب . ويوم الدين يوم الجزاء ومنه كما تدين تدان " وبيت الحماسة :

ولم يبق سوى العدوا *** ن دناهم كما دانوا

أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار ، ومعناه ، ملك الأمور يوم الدين على طريقة { ونادى أصحاب الجنة } أوله الملك في هذا اليوم ، على وجه الاستمرار لتكون الإضافة حقيقية معدة لوقوعه صفة للمعرفة ، وقيل { الدين } الشريعة ، وقيل الطاعة . والمعنى يوم جزاء الدين ، وتخصيص اليوم بالإضافة : إما لتعظيمه ، أو لتفرده تعالى بنفوذ الأمر فيه ، وإجراء هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه موجدا للعالمين ربا لهم منعما عليهم بالنعم كلها ظاهرها وباطنها عاجلها وآجلها ، مالكا لأمورهم يوم الثواب والعقاب ، للدلالة على أنه الحقيق بالحمد لا أحد أحق به منه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه ، فإن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته له ، وللإشعار من طريق المفهوم على أن من لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل لأن يحمد فضلا عن أن يعبد ، فيكون دليلا على ما بعده فالوصف الأول لبيان ما هو الموجب للحمد ، وهو الإيجاد والتربية ، والثاني والثالث للدلالة على أنه متفضل بذلك مختار فيه ، ليس يصدر منه لإيجاب بالذات أو وجوب عليه قضية لسوابق الأعمال حتى يستحق به الحمد . والرابع لتحقيق الاختصاص فإنه مما لا يقبل الشركة فيه بوجه ما ، وتضمين الوعد للحامدين والوعيد للمعرضين .