الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ} (4)

اختلف القراء فيه من عشرة أوجه :

الوجه الأول : مالك - بالألف وكسر الكاف - على النعت ، وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرَّحْمن بن عوف وابن مسعود وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأبي ذر وأبي هريرة وأنس ومعاوية ، ومن التابعين وأتباعهم عمر بن عبد العزيز ومحمد بن شهاب الزهري ومسلمة بن زيد والأسود بن يزيد وأبو عبد الرَّحْمن السلمي وسعيد بن جبير وأبو رزين وإبراهيم وطلحة بن عوف وعاصم بن أبي النجود و . . . بن عمر الهمذاني وشيبان ابن عبد الرَّحْمن وعلي بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وعبد الله بن إدريس وعلي بن حمزة الكسائي وخلف بن هشام والحسين بن أبي الحسن البصري من أهل البصرة وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن سيرين وبكر بن عبد الله المزني وقتادة بن دعامة السدوسي ويحيى بن يعمر . . . . وعيسى بن عمر النفعي وسلام بن سليمان أبو المنذر ويعقوب بن أعين الحضرمي وأيوب بن المتوكل وأبو عبيدة و . . . . وسعيد بن مسعدة الأخفش وخالد بن معدان والضحاك بن مزاحم .

أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن علي ، حدّثنا محمد بن يحيى ، حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب وأخبرنا أبو العباس الأصمّ ، أخبرنا ابن عبد الحكم : حدّثنا . . . . بن سويد الحميري عن يونس عن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤون : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } " .

وأخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن محمد بن خلف العطار ، حدّثنا المنذر بن المنذر الفارسي ، حدّثنا هارون بن حاتم ، حدّثنا إسحاق بن منصور الأسدي عن أبي إسحاق . . . . عن مالك بن دينار عن أنس قال : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً يقرؤون : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } " ، وأوّل من قرأها : ( ملك يوم الدين ) مروان بن الحكم .

والوجه الثاني : ملك ، بغير ألف وكسر الكاف على التفسير أيضاً ، وهو قراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وشعيب بن يزيد والمسور بن المخرمة ومن التابعين وأتباعهم عروة بن الزبير وأبو بكر بن عمر بن حزم ومروان بن الحكم و . . . . وعبد الرَّحْمن بن هرمز الأعرج وأبان بن عثمان وأبو جعفر يزيد بن المفضل ونسيبة بن نصّاح ونافع بن نعيم ومجاهد وابن كثير وابن محسن وحميد بن معين ويحيى بن وثاب وحمزة بن حبيب ومحمد بن سيرين وعبد الله بن عمر وأبو عمرو بن العلاء وعمرو بن .

. . . وعبد الله بن عامر النصيبي .

وروي ذلك أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عثمان وعلي عليه السلام .

أخبرنا ابن حمدويه ، أخبرنا أبن أيوب [ المنقري ] : أخبرنا ابن حامد وابن . . . . قالا : أخبرنا حامد بن محمّد ، حدّثنا وأخبرنا ابن عمر ، حدّثنا الرفاء ، قالوا : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، حدّثنا أبو عبيد ، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان ، حدّثنا عبد الملك بن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة عن أمّ سلمة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءة : { بسم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } " .

والوجه الثالث : ملْك بجزم اللام على النعت ، وهو رواية الحسن بن عليّ الجعفي وعبد الوارث بن سعيد ، وروي عن ابن عمر .

والوجه الرابع : أنّ مالكَ بالألف ونصب الكاف على النداء ، وهي قراءة الأعمش ومحمد بن [ السميقع ] وعبد الملك قاضي الجند ، وروي ذلك " عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته : " يا مالكَ يوم الدين " .

والوجه الخامس : ملَك بنصب الكاف من غير ألف على النداء أيضاً ، وهي قراءة عطية . . . . والوجه السادس : مالك بالألف ورفع الكاف على معنى : هو مالك ، وهي قراءة عزير العقيلي .

والوجه السابع : ملك برفع الكاف من غير ألف وهي قراءة أبي حمزة وابن سيرين .

والوجه الثامن : مالك ، بالإمالة والإضجاع البليغ . روي ذلك عن يحيى بن يعمر . وعن أيوب السختياني بين الإمالة والتفخيم . . . . عن . . . . عن الكلبي .

والوجه التاسع : ( ملك يوم الدين ) على الفعل ، وهي قراءة الحسن ويحيى بن يعمر وأبي حمزة وأبي حنيفة .

الفرق بين ملك ومالك

[ أما ] الفرق بين مالك وملك فقال قوم : هما لغتان بمعنى واحد ، مثل ( فرهين ) و ( فارهين ) و ( حذرين ) و ( حاذرين ) و ( فكهين ) و ( فاكهين ) . . . . بينهما ، فقال أبو عبيدة والأصمعي وأبو سالم والأخفش وأبو الهيثم : مالك أجمع وأوسع وأمدح ، ألا ترى أنه يقال : الله مالك الطير والدواب والوحش وكل شيء ، ولا يقال : ملك كل شيء ، وإنما يقال : ملك الناس ؟ قالوا : ولا يكون مالك الشيء إلاّ هو يملكه ويكون ملك الشيء وهو لا يملكه ، كقولهم : ملك العرب والعجم والروم .

وقالوا أيضاً : إن ( المالك ) يجمع الفعل والاسم .

وقال بعضهم : في ( مالك ) . . . . ومالك قوله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات " .

وقال أبو عبيد : الذي نختار ملك . . . . مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت . ومن قرأ بها من أهل العلم أكثر . وهي مع هذا في المعنى أصحّ لقوله تعالى :

{ فَتَعَلَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ } [ طه : 114 ] ، و :

{ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ } [ الحشر : 23 ] ، و :

{ مَلِكِ النَّاسِ } [ الناس : 2 ] ، و :

{ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] ، ولم يقل : لمن الملك اليوم ؟

والملك مصدر الملك وغيرهُ ، وملك يصلح للمالك والمليك ، يقال : ملك الشيء يملكه ملكاً ، فهو مالك ومليك ، و : ملكه يملكه ملكاً فهو ملك لا غير .

وهما بعد الناس ، ومعناهما الربّ ؛ لأن العرب تقول : رب الدار والعبد والضيعة بمعنى أنه مالكها ، ولا يفرّقون بين قولهم : ربّها ومالكها ومن . . . . قال : إن المالك والملك هو القادر على استخراج الأعيان من العدم إلى الوجود ، ولا يقدر في الحقيقة على إخراجها إلاّ الله المالك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ملك إلاّ الله " فأما غيره ، فيسمى مالكاً وملكاً على المجاز .

والمراد بذلك : أنه مأذون له في التصرّف فيه .

وقال عبد العزيز بن يحيى : المالك يمكن بما يملكه ، منفرد به عن أبناء جنسه ، تعود منافعه إليه ، والمالك الثاني الذي بيده الشيء ، ويستولي عليه ، ويصرفه فيما يريده . تقول العرب : ملّكك زمام البعير ، وملكت العجين إذا شددته ، وأملكت المرأة إملاكاً ، قال الشاعر :

وجبرئيل أمين الله أملكها

معنى قوله : { الدين }

وأما معنى قوله : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، فقال ابن عباس والسدي ومقاتل : قاضي يوم الحساب . ودليله قوله عزّ وجلّ :

{ ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ } [ التوبة : 36 ] ، أي الحساب المستقيم .

الضحاك وقتادة : الدين : الجزاء ، يعني : يوم يدين الله العباد بأعمالهم . دليله قوله : { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } [ سورة الصافات : 53 ] ، أي مجرّبون . قال لبيد :

حصادك يوماً ما زرعت وإنما *** يدان الفتى يوماً كما هو دائن

وقال عثمان بن زيات : يوم القهر والغلبة ، تقول العرب : مدان فدان ، أي قهرته فخضع وذلّ . وقال الأعشى :

هو دان الرباب إذ كرهو الدين *** دراكا بغزوة وارتحال

ثم دانت بعد الرباب وكانت *** كعذاب عقوبة الأقوال

وسمعت أبا القاسم الحسين بن محمد الأديب يقول : سمعت أبا المضر محمد بن أحمد ابن منصور يقول : سمعت أبا عمر غلام ثعلب يقول : كان الرجل إذا أطاع ودان إذا عصى ، ودان إذا عزّ وكان إذا ذلّ ، ودان إذا قهر .

وقال الحسن بن الفضل : يوم الإطاعة ، قال زهير :

لئن حللت بواد في بني أسد *** في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي في طاعة ، وكل ما أطيع الله فيه فهو دين .

وقال بعضهم : يوم العمل ، قال الفراء : دين الرجل خلقه وعمله وعادته ، وقال المثقب العبدي :

تقول إذا درأت وضيني لها *** أهذا دينه أبداً وديني

وقال محمد بن كعب القرضي : { مَلِكِ يَوْمِ } لا ينفع فيه إلاّ { الدِّينِ } ، وهذه من قول الله تعالى :

{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 88 - 89 ] ، وقوله :

{ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [ سبأ : 37 ] .

وإنما خصّ يوم الدين بكونه مالكاً له ؛ لأن الأملاك في ذلك اليوم زائلة [ فينفرد تعالى بذلك ] ، وهي باطلة والأملاك خاصة . وقيل : خص يوم الدين بالمالك فيه ؛ لأن ملك الدنيا قد اندرج في قوله : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، فأثبت أنه مالك الآخرة بقوله : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ؛ ليعلم أن الملك له في الدارين . وقيل : إنما خصّ يوم الدين بالذكر ؛ تهويلا وتعظيماً لشأنه كما قال تعالى : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [ غافر : 16 ] ، ولا خفاء بهم في كل الأوقات عن الله عزّ وجلّ .