بدأت هذه السورة بوعيد شديد لمن يأخذ لنفسه وافيا ، ويعطي غيره ناقصا ، وصورت ذلك بما قامت عليه معاملات الناس في استيفاء حقوقهم من الكيل والوزن ، وهددت هذا النوع بوقوع البعث والحساب ، وقررت أن أعمالهم مسجلة عليهم في كتاب مرقوم . لا يكذب به إلا كل معتد أثيم محجوب عن ربه ، مصيره إلى جهنم .
وانتقلا إلى الأبرار فطمأنتهم إلى أعمالهم ، وذكرت نعيمهم وسماتهم ، مشيرة إلى نوع من النعيم فيه يتنافس المتنافسون ، وصورت الآيات ما كان يفعله الكفار المجرمون مع المؤمنين حين يرونهم أو حين يمر بهم المؤمنون ، وختمت السورة بتطمين المؤمنين إلى أن يوم القيامة سينصفهم ، فيكونون في النعيم ، من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون ، فيثّوب الكفار ما كانوا يفعلون .
1 - هلاك للمطففين . الذين إذا أخذوا لأنفسهم الكيل من الناس يأخذونه وافيا زائدا ، وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصونهم حقهم الواجب لهم اعتداء عليهم .
{ ويل للمطففين } يعني الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس . قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان : مطفف ، لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف .
أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي ، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال : " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله عز وجل : { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل " . وقال السدي : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له : أبو جهينة ، ومعه صاعان ، يكيل بأحدهما ، ويكتال بالآخر ، فأنزل الله هذه الآية " . فالله تعالى جعل الويل للمطففين .
1- سورة " المطففين " أو سورة " ويل للمطففين " أو سورة " التطفيف " من السور التي اختلف المفسرون في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكي وبعضها مدني .
فصاحب الكشاف يقول : مكية . . وهي آخر سورة نزلت بمكة .
والإمام ابن كثير يقول : هي مدنية ، دون أن يذكر في ذلك خلافا .
والإمام القرطبي يقول : سورة " المطففين " : مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومدنية في قول الحسن وعكرمة ، وهي ست وثلاثون آية .
قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية إلا ثماني آيات ، من قوله –تعالى- : [ إن الذين أجرموا ] إلى آخرها . فإنها مكية . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة .
والإمام الآلوسي يجمع كل هذه الأقوال في تفسيره بشيء من التفصيل دون أن يرجح بينها .
2- ويبدو لنا أن سورة المطففين من السور المكية ، إلا أننا نرجح أنها من آخر ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من قرآن مكي ، وقد ذكرها الإمام السيوطي في كتابه الإتقان ، على أنها آخر سورة مكية ، نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة( {[1]} ) .
ومما يجعلنا نرجح أن سورة المطففين من السور المكية : حديثها الواضح عن الفجار والأبرار .
وعن يوم القيامة وسوء عاقبة المكذبين به ، وعن أقوال المشركين في شأن القرآن الكريم .
وعن الموازنة بين مصير المؤمنين والكافرين ، وعن موقف كفار قريش من فقراء المؤمنين .
وهذه الموضوعات نراها من السمات الواضحة للقرآن المكي ، وإذا كان القرآن المدني قد تحدث عنها ، فبصورة أقل تفصيلا من القرآن المكي .
3- والسورة الكريمة في مطلعها تهدد الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم . وتذكرهم بيوم البعث والحساب والجزاء ، لعلهم يتوبون إلى خالقهم ويستغفرونه مما فرط منهم .
ثم تسوق موازنة مفصلة بين سوء عاقبة الفجار ، وحسن عاقبة الأبرار .
ثم تختتم بذكر ما كان يفعله المشركون مع فقراء المؤمنين ، من استهزاء وإيذاء ، وبشرت هؤلاء المؤمنين : بأنهم يوم الجزاء والحساب ، سيضحكون من الكفار ، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا . قال –تعالى- : [ فاليوم الذي آمنوا من الكفار يضحكون . على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ] .
الويل : لفظ دال على الهلاك أو الشر ، وهو اسم لا فعل له من لفظه . . وقيل : هو اسم واد فى جهنم .
و { المطففين } جمع مطفف ، من الطفيف ، وهو الشئ التافه الحقير ، لأن ما يغتاله المطفف من غيره شئ قليل . والتطفيف : الإِنقاص فى المكيال أو الميزان عن الحدود المطلوبة .
قال الإِمام ابن جرير : وأصل التطفيف ، من الشئ الطفيف ، وهو القليل النزر . والمطفف : المقلل صاحب الحق عَمَّا له من الوفاء والتمام فى الوكيل أو وزن . ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء فى حسبه أو عدد : هم سواء كطف الصاع . يعنى بذلك كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء . .
وقوله : { اكتالوا } من الاكتيال وهو افتعال من الكيل . والمراد به : أخذ مالهم من مكيل من غيرهم بحكم الشراء .
ومعنى : { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } : كالوهم أو وزنوا لهم ، فحذفت اللام ، فتعدى الفعل إلى المفعول ، فهو من باب الحذف والإِيصال .
فالواوان فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } يعودان إلى الاسم الموصول فى قوله : { الذين إِذَا اكتالوا } والضميران المنفصلان " هم " ، يعودان إلى الناس .
قال صاحب الكشاف : والضمير فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ضمير منصوب راجع إلأى الناس . وفيه وجهان : أن يراد : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم فحذف الجار ، وأوصل الفعل ، كما فى قول الشاعر :
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا . . . ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
بمعنى جنيت لك . وأن يكون على حذف مضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، والمضاف هو المكيل أو الموزون . .
والمعنى : هلاك شديد ، وعذاب أليم ، للمطففين ، وهم الذين يبخسون حقوق الناس فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما ، ومن مظاهر ذلك أنهم إذا اشتروا من الناس شيئا حرصوا على أن يأخذوا حقوقهم منهم كاملة غير منقوصة ، وإذا باعوا لهم شيئا ، عن طريق الكيل أو الوزن أو ما يشبههما { يُخْسِرُونَ } أى : ينقصون فى الكيل أو الوزن .
يقال : خسَر فلان الميزان وأخْسَره ، إذا نقصه ، ولم يتممه كما يقتضيه العدل والقسط .
وافتتحت السورة الكريمة بلفظ " الويل " للإِشعار بالتهديد والتشديد ، والوعيد الأليم لمن يفعل ذلك . وقوله { ويل } مبتدأ ، وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء . وخبره " للمطففين " .
بسم الله الرحمن الرحيم ويل للمطففين التطفيف البخس في الكيل والوزن لأن ما يبخس طفيف أي حقير روي أن أهل المدينة كانوا أخبث الناس كيلا فنزلت فأحسنوه وفي الحديث خمس بخمس ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.