المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

52- ولما جاء عيسى - عليه السلام - دعا قومه إلى الصراط المستقيم ، فأبى أكثرهم ، فلما علمَ منهم ذلك اتجه إليهم منادياً : من يناصرني في هذا الحق الذي أدعو إليه ؟ فأجابه خاصة المؤمنين بالله وبه : نحن نؤيدك وننصرك لأنك داع إلى الله ، واشهد بأنا مخلصون لله منقادون لأمره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

قوله تعالى : { فلما أحس عيسى } أي وجد ، قال الفراء ، وقال أبو عبيدة : عرف ، وقال مقاتل : رأى .

قوله تعالى : { منهم الكفر } وأرادوا قتله استنصر عليهم .

قوله تعالى : { قال من أنصاري إلى الله } . قال السدي : كان سبب ذلك أن عيسى عليه السلام لما بعثه الله عز وجل إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض ، فنزل في قرية على رجل فأضافهما ، وأحسن إليهما ، وكان لتلك المدينة جبار متعد ، فجاء ذلك الرجل يوماً مهتماً حزيناً ، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها مريم : ما شان زوجك ؟ أراه كئيباً ، قالت : لا تسأليني ، قالت : أخبريني لعل الله يفرج كربته ، قالت : إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً أن يطعمه وجنوده ، ويسقيهم الخمر ، فإن لم يفعل عاقبه ، واليوم نوبتنا وليس لذلك عندنا سعة ، قالت : فقولي له لا يهتم ، فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك ، فقالت مريم لعيسى عليه السلام في ذلك ، فقال عيسى : إن فعلت ذلك وقع شر ، قالت فلا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا ، فقال عيسى عليه السلام : فقولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ففعل ذلك ، فدعا الله تعالى عيسى عليه السلام ، فتحول ماء القدور مرقاً ولحماً ، وماء الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط ، فلما جاء الملك أكل ، فلما شرب الخمر ، قال : من أين هذا الخمر ؟ قال : من أرض كذا ، قال الملك : فإن خمري من تلك الأرض ، وليست مثل هذه ، قال : هي من أرض أخرى ، فلما خلط على الملك وشدد عليه فقال : أنا أخبرك ، عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، وأنه دعا الله فجعل الماء خمراً ومرقا ولحما ، وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام ، وكان أحب الخلق إليه ، فقال : أن رجلاً دعا الله حتى جعل الماء خمراً ليجاء به إلي حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى فكلمه في ذلك فقال عيسى لا تفعل ، فإنه إن عاش وقع شر ، قال الملك : لا أبالي أليس أراه حيا ؟ فقال عيسى : إن أحييته تتركوني وأمي نذهب حيث نشاء ؟ قال : نعم ، فدعا الله فعاش الغلام ، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا إلى السلاح وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف عليها ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه ، فاقتتلوا فذهب عيسى وأمه ، فمر بالحواريين وهو يصطادون السمك ، فقال : ما تصنعون ؟ فقالوا : نصطاد السمك قال : أفلا تمشون حتى نصطاد الناس ؟ قالوا : ومن أنت ، قال : عيسى ابن مريم ، عبد الله ورسوله ، من أنصاري إلى الله ؟ فآمنوا به وانطلقوا معه . قوله تعالى ( من أنصاري إلى الله ) . قال السدي وابن جريج : مع الله تعالى تقول العرب : الذود إلى الذود إبل ، أي مع الذوذ ، كما قال الله تعالى : ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) . وقال الحسن وأبو عبيدة : " إلى " بمعنى " في " أي من أعواني في الله ، أي في ذات الله وسبيله ، وقيل " إلى " في موضعها معناه من يضم نصرته إلى نصرة الله لي ، واختلفوا في الحواريين . قال مجاهد والسدي : كانوا صيادين يصطادون السمك ، سمواً حواريين لبيض ثيابهم ، وقيل : كانوا ملاحين ، وقال الحسن : كانوا قصارين ، سموا بذلك لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها . وقال عطاء : سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلى الحواريين ، وكانوا قصارين وصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه فاجتمع عنده ثياب وعرض له سفر ، فقال لعيسى : إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر ، ولا أرجع إلى عشرة أيام ، وهذه ثياب الناس مختلفة الألوان ، وقد علمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به ، فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي ، وخرج فطبخ عيسى حباً واحداً ، على لون واحد ، وأدخل جميع الثياب وقال لها : كوني بإذن الله على ما أريد منك ؟ فقدم الحواري والثياب كلها في الحب ، فقال : ما فعلت ؟ فقال : فرغت ، قال : أين هي ؟ قال : في الحب ، قال : كلها ؟ قال :نعم . قال : لقد أفسدت تلك الثياب ، فقال : قم فانظر ، فأخرج عيسى ثوباً أحمر ، وثوباً اصفر وثوباً أخضر ، إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب ويعلم أن ذلك من الله ، فقال للناس : تعالوا فانظروا فآمن به هو وأصحابه فهم الحواريون .

وقال الضحاك : سموا حواريين لصفاء قلوبهم ، وقال ابن المبارك : سموا به لما عليهم من اثر العبادة ونورها ، وأصل الحور عند العرب شدة البياض ، يقال : رجل أحور وامرأة حوراء أي شديدة بياض العين . وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون هم الأصفياء ، وهم كانوا أصفياء عيسى عليه السلام ، وكانوا اثني عشر رجلاً ، قال روح بن أبي القاسم :سألت قتادة عن الحواريين . قال : هم الذين تصلح لهم الخلافة . وعنه أيضا أنه قال : الحواريون هم الوزراء ، وقال الحسن : الحواريون الأنصار ، والحواري الناصر ، والحواري في كلام العرب خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينويه .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا احمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا الحميدي ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا محمد بن المنكدر قال : سمعت جابربن عبد الله رضي الله عنهما يقول : ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي حوارياً وحواريي قال سفيان : الحواري الناصر ، قال المعمر : قال قتادة : إن الحواريين كلهم من قريش ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وحمزة ، وجعفر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعثمان بن مظعون ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، رضي الله عنهم أجمعين .

قوله تعالى : { قال الحواريون نحن أنصار الله } أعوان دين الله ورسوله .

قوله تعالى : { آمنا بالله واشهد } يا عيسى .

قوله تعالى : { بأنا مسلمون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

لقد حكى القرآن أن موقف أكثرهم منه كان موقف الكافر به الجاحد لرسالته فقال تعالى : { فَلَمَّآ أَحَسَّ . . . . } .

قوله - تعالى - { فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر قَالَ مَنْ أنصاري إِلَى الله } شروع فى بيان مآل أحواله - عليه السلام - وفى بيان موقف قومه منه بعد أن بين - قبل ذلك بعض صفاته ومعجزاته وخصائص رسالته .

وأحس : بمعنى علم ووجد وعرف . والإحساس : الإدراك ببعض الحواس الخمس وهى الذوق والشم واللمس والسمع والبصر . يقال أحس الشيء ، علمه بالحس . وأحس بالشيء شعر به بحاسته والمراد أن عيسى عليه السلام ، علم من بنى إسرائيل الكفر علما لا شبهة فيه .

والأنصار جمع نصير مثل شريف وأشراف .

والمعنى أن عيسى - عليه السلام - قد جاء لقومه بالمعجزات الباهرات التى تشهد بصدقه فى دعوته ولكنه لم يجد منهم أذنا واعية ، فلما رأى تصميمهم على باطلهم ، وأحس منهم الكفر أى علمه يقينا وتحققه تحقق ما يدرك بالحواس ، قال على سبيل التبليغ وطلب النصرة : من أنصارى إلى الله ؟ أى من أعوانى في الدعوة إلى الله والتبشير بدينه حتى أبلغ ما كلفنى بتبليغه .

قال ابن كثير : وذلك كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى مواسم الحج قبل أن يهاجر " هل من رجل يؤوينى وينصرنى حتى أبلغ كلام ربى فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربى " فقيض الله له الأنصار فآووه ونصروه ومنعوه من الأسود والأحمر " .

والفاء في { فَلَمَّآ } تؤذن بالتعقيب على الآيات الباهرة . أى أنهم بعد أن رأوا ما رأوا من معجزات عيسى لم يمتثلوا له ولم يتدبروا عاقبة أمرهم بل كذبوه على الفور ، وحاولوا قتله تخلصا منه واستمروا على كفرهم .

والتعبير بأحس - كما أشرنا من قبل - يشعر بأنه علم منهم الكفر علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس .

والمقول لهم { مَنْ أنصاري إِلَى الله } هم الحواريون كما يشير إليه قوله - تعالى - في سورة الصف : { ياأيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أنصاري إِلَى الله } وقيل المقول لهم جميع أفراد قومه .

وقوله { مِنْهُمُ } متعلق بأحس . ومن لابتداء الغاية أى ابتداء الإحساس من جهتهم . أو متعلق بمحذوف على أنه حال من الكفر أى أحس الكفر حال كونه صادرا منهم . وقوله { إِلَى الله } متعلق بمحذوف على أنه حال من الياء في أنصارى . أى من أنصارى حال كونى ذاهبا إلى الله أى ملتجئا إليه وشارعا في نصرة دينه .

وفى قوله { مَنْ أنصاري إِلَى الله } حض لهم على المسارعة إلى نصرة الحق لأنهم لا ينصرونه من أجل متعة زائلة . وإنما هم ينصرونه لأنه يدافع عن دين الله ويبشر به ، ومن نصر دين الله ، نصره الله تعالى .

والآية الكريمة تشير إلى أن الكافرين كانوا هم الكثرة الكاثرة من بنى إسرائيل ، بدليل أنه - سبحانه - نسب الكفر إليهم فى قوله { فَلَمَّآ أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر } وذلك لا يكون إلا إذا كان الكافرون هم الكثرة الظاهرة ، والمؤمنون هم القلى غير الظاهرة حتى لكأن عيسى بقوله { مَنْ أنصاري إِلَى الله } يبحث عنهم من بين تلك الجموع الكثيرة من الكافرين . وهنا يحكى القرآن أن المؤمنين الصادقين - مع قلتهم - لم يتقاعسوا عن تلبية نداء عيسى - عليه السلام - فقال الله - تعالى - { قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله آمَنَّا بالله واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } والحواريون جمع حواري وهم أنصار عيسى الذين آمنوا به وصدقوه ، وأخلصوا له ولازموه وكانوا عونا له فى الدعوة إلى الحق .

يقال فلان حواري فلان أى خاصه من أصحابه ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الزبير بن العوام : " لكل نبي حواري وحواريى الزبير " .

وأصل مادة " حور " هي شدة البياض . أو الخالص من البياض ، ولذلك قالوا في خالص لباب الدقيق الحوارى . وقالوا في النساء البيض الحواريات والحوريات .

وقد سمى - تعالى - أصفياء عيسى وأنصاره بالحواريين لأنهم أخلصوا لله - تعالى نياتهم ، وطهرت سرائرهم من النفاق والغش فصاروا فى نقائهم وصفائهم كالشيء الأبيض الخالص البياض .

والمعنى أن عيسى عليه السلام - لما أحس الكفر من بنى إسرائيل قال لهم من أنصارى إلى الله ؟ فأجابه الحواريون الذين آمنوا به وصدقوه وباعوا نفوسهم لله - تعالى - : نحن أنصار الله الذين تبحث عنهم ، ونحن الذين سنقف إلى جانبك لنصرة الحق ، فقد آمنا بالله إيمانا عميقا ، ونريدك أن تشهد على إيماننا هذا ، وأن تشهد لنا يا عيسى بأنا مسلمون حين تشهد الرسل لأقوامهم وعليهم .

فأنت ترى أن الحواريين لقوة إيمانهم وصفاء نفوسهم قد لبوا دعوة عيسى - عليه السلام - فى طلب النصرة دون أن يخشوا أحدا إلا الله .

وقولهم - كما حكى القرآن عنهم { نَحْنُ أَنْصَارُ الله } إشعار بأنهم ما وقفوا بجانب عيسى إلا نصرة لدين الله ودفاعا عن الحق الذى أنزله على رسوله عيسى .

وقولهم { آمَنَّا بالله } جملة فى معنى العلة للنصرة أى نحن أنصار الله يا عيسى لأننا آمنا بأنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وأنه هو الخالق لكل شىء والقادر على كل شيء .

وقولهم { واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } معطوف على آمنا والشهادة هنا بمعنى العلم المنبعث من المعاينة والمشاهدة فهم يطلبون من عيسى - عليه السلام - أن يكون شاهدا لهم يوم القيامة بأنهم أسلموا وجوههم لله وأخلصوا له العبادة .

وأقوالهم هذه التى حكاها القرآن عنهم تدل على أنهم كانوا في الدرجة العليا من قوة الإيمان وصدق اليقين ، ونقاء السريرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

يقول تعالى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى } أي : استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } قال مجاهد : أي من يَتبعني إلى الله ؟ وقال سفيان الثوري وغيره : من أنصاري مع الله ؟ وقول{[5059]} مجاهد أقربُ .

والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج ، قبل أن يهاجر : " مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى [ أن ]{[5060]} أبلغ كلامَ رَبِّي ، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي " {[5061]} حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فآسوه{[5062]} ومنعوه من الأسود والأحمر . وهكذا{[5063]} عيسى ابن مريم ، انْتدَبَ له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه . ولهذا قال تعالى مخبرًا عنهم : { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } الحواريون ، قيل : كانوا قَصّارين وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نَدبَ الناس يوم الأحزاب ، فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدَبَ الزبير [ ثم ندبهم فانتدب الزبير ]{[5064]} فقال : " إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَاريًا وَحَوَارِيي الزُّبَيْرُ " {[5065]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا إسناد جيد .


[5059]:في أ: "وقال".
[5060]:زيادة من ر، وفي جـ، أ، و: "يؤويني حتى أبلغ".
[5061]:رواه أحمد في المسند (3/322) من حديث جابر رضي الله عنه.
[5062]:في أ: "فآمنوه".
[5063]:في أ: "وكذا".
[5064]:زيادة من أ، و.
[5065]:صحيح البخاري برقم (3719) وصحيح مسلم برقم (2415) من حديث جابر رضي الله عنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

آذَنَ شرطُ لَما بجمل محذوفة ، تقديرها : فوُلِد عيسى ، وكَلم الناس في المهد بما أخبرت به الملائكة مريم ، وكلم الناس بالرسالة . وأراهم الآيات الموعودَ بها ، ودعاهم إلى التصديق به وطاعته ، فكفروا به ، فلما أحسّ منهم الكفر قال إلى آخره . أي أحسّ الكفر من جماعة من الذين خاطبهم بدعوته في قوله : { وأطيعون } [ آل عمران : 50 ] أي سمع تكذيبهم إياه وأُخبر بتمالئهم عليه . « ومنهم » متعلق بأحسّ . وضمير منهم عائد إلى معلوم من المقام يفسره وصف الكفر .

وطَلَبُ النصرِ لإظهار الدعوة لله ، موقفٌ من مواقف الرسل ، فقد أخبر الله عن نوح { فدعا رَبه أنّي مغلوب فانتصر } وقال موسى : { واجعل لي وزيراً من أهلي } [ طه : 29 ] وقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب لينصروه حتى يُبلغ دعوة ربّه .

وقوله : { قال من أنصاري إلى الله } لعله قاله في ملإ بني إسرائيل إبْلاغاً للدعوة ، وقطعاً للمعذرة . والنصر يشمل إعلان الدين والدعوة إليه . ووصل وصْفَ { أنصاري } بإلى إما على تضمين صفة أنصار معنى الضم أي مَن ضامون نصرهم إياي إلى نصر الله إياي ، الذي وعدني به ؛ إذ لا بدّ لحصول النصر من تحصيل سببه كما هي سنّة الله : قال تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] على نحو قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] أي ضامِّينها فهو ظرف لغو ، وإما على جعله حالاً من ياء المتكلم والمعنَى في حال ذهابي إلى الله ، أي إلى تبليغ شريعته ، فيكون المجرور ظرفاً مستقراً . وعلى كلا الوجهين فالكون الذي اقتضاه المجرور هو كون من أحوال عيسى عليه السلام ولذلك لم يأت الحواريون بمثله في قولهم نحن أنصار الله .

والحواريون : لقب لأصحاب عيسى ، عليه السلام : الذين آمنوا به ولازموه ، وهو اسم معرَّب من النبطية ومفرده حواري قاله في الإتقان عن ابن حاتم عن الضحّاك ولكنه ادّعى أنّ معناه الغسال أى غسّال الثياب .

وفسّره علماء العربية بأنه من يكون من خاصّة من يضاف هو إليه ومن قرابته .

وغلب على أصحاب عيسى وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم " لكل نبيِّء حَوَارِيٌّ وحَوارِيّ الزُّبَيْر بنُ العوام " .

وقد أكثر المفسرون وأهل اللغة في احتمالات اشتقاقه واختلاف معناه وكلّ ذلك إلصاق بالكلمات التي فيها حروف الحاء والواو والراء لا يصحّ منه شيء .

والحواريون اثنا عشر رجلا وهم : سَمْعَان بطرس ، وأخوه أندراوس ، ويوحنا بن زبْدي ، وأخوه يعقوب وهؤلاء كلّهم صيادو سَمك ومتَّى العشَّار وتوما وفيليبس ، وبرثو لماوس ، ويعقوب بن حلفي ، ولباوس ، وسمعان القانوى ، ويهوذا الأسخريوطي .

وكان جواب الحواريين دالاّ على أنهم علموا أنّ نصر عيسى ليس لذاته بل هو نصر لدين الله ، وليس في قولهم : { نحن أنصار الله } ما يفيد حصراً لأنّ الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفاً ، فلم يحصل تعريف الجزأين ، ولكنّ الحواريين بادروا إلى هذا الانتداب .

وقد آمن مع الحواريّين أفراد متفرّقون من اليهود ، مثل الذين شفى المسيح مرضاهم ، وآمن به من النساء أمّه عليها السلام ، ومريم المجدلية ، وأم يوحنا ، وحماة سمعان ، ويوثا امرأة حوزي وكيل هيرودس ، وسوسة ، ونساء أخر ولكنّ النساء لا تطلب منهنّ نصره .