تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

الآية 52 وقوله تعالى : { فلما أحس عيسى منهم الكفر } رأى ، وهو كقوله : { هل تحس منهم من أحد } [ مريم : 98 ] وقيل : { أحس } أي وجد ، وهو قول الكسائي ، وقيل : عرف : وهو كله واحد .

ثم قوله : { فلما أحس عيسى منهم الكفر } يحتمل ، والله أعلم ، أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم { مائدة من السماء } [ المائدة : 112 ] تكون لهم آية لرسالته وصدقه ، ففعل الله جل وعلا ذلك ، وأنزل عليهم المائدة ، ثم أخبر أن من يكفر{[3870]} منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذابا لا يعذبه أحدا{[3871]} ، فكفروا به ، فعلم أن العذاب ينزل عليهم ، فأحب أن يخرج بمن آمن به لئلا يأخذهم العذاب ، فقال :

{ قال من أنصاري إلى الله } يؤيد ذلك قوله : { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } الآية [ الصف : 14 ] ، ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له ، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك ، فلما علم ذلك منهم ، وقد هموا بقتله{[3872]} قال عند ذلك : { من أنصاري إلى الله } أحب أن يكون معه أنصار إلى{[3873]} الله ينصرونه ، فيظهر المؤمنون من غيرهم ، فنصرهم الله على أعدائهم ، ليظهر المؤمنين{[3874]} من غيرهم ، وهو قوله : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } [ الصف : 14 ] .

ومن الناس من يقول : إنه لم يكن في سنة عيسى عليه السلام الأمر بالقتال ، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } [ الصف : 14 ] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم فلا يخلو إما أن يكون قتالا وإما غلبة بحجة أو شيء مما يقهرهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قال الحواريون نحن أنصار الله } اختلف في الحواريين : قال بعضهم : هم القصارون الغسالون الثياب ومبيضوها . وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[3875]} قال : ( إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم ، وكانوا يصيدون السمك ) وقيل : الحواري الوزير والناصر والخاص على ما جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أن لكل نبي حواريين ، وحواري فلان وفلان ) [ البخاري 2846 ] وذكر نفرا من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وإنما أراد{[3876]} ، والله اعلم ، الناصر والوزير . ويحتمل أن يكونوا سموا بذلك لصفاء قلوبهم ، وهم أصفياء عيسى رضي الله عنه كذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه والله أعلم بهم .

وقوله تعالى : { نحن أنصار الله } ؛ إن الله تعالى عن أن ينصر ، ولكن يحتمل { نحن أنصار الله } أي أنصار دين الله وأنصار نبيه أو أنصار أوليائه تعظيما ، وكذلك قوله : { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] [ إن الله لا ينصر ]{[3877]} ولكن ينصر دينه أو رسله أو أولياؤه ، وهو كقوله : { يخادعون الله } [ البقرة : 9 ] إنه{[3878]} لا يخادع ، ولا يمكن [ أن يخادع ]{[3879]} ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه أضاف ذلك إلى نفسه . فعلى ذلك لما نصروا دين الله ونبيه ووليه أضافه{[3880]} إلى نفسه .

وقوله تعالى : { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } الآية تنقض من يجعل الإيمان غير الإسلام لأنهم أخبروا أنهم آمنوا وأنهم مسلمون ، لم يفرقوا بينهما /60-أ/ ، وكذلك قوله : { فأخرجنا من كل فيها من المؤمنين } { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } [ الذاريات : 35 و 36 ] لم يفصل بينهما ، وجعلهما واحدا ، وكذلك قول موسى لقومه : { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } [ يونس : 84 ] لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقا ، وهو قوله : إن العمل فيهما واحد ، لأن الإيمان بأن تصدق بأنك عبد الله ، والإسلام هو{[3881]} أن تجعل نفسك لله سالما ، وقيل : الإيمان اسم [ ما ]{[3882]} بطن ، والإسلام اسم ما ظهر . ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة وفي الإيمان

[ التصديق ]{[3883]} ؟


[3870]:في الأصل وم: كفر.
[3871]:إشارة إلى قوله تعالى: {قال الله إني منزلها غذعليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} بالمائدة: 115].
[3872]:في الأصل وم: على قتله.
[3873]:في الأصل وم: مع.
[3874]:في الأصل وم: المؤمنون.
[3875]:ساقطة من الأصل وم.
[3876]:من م، في الأصل: أرادوا.
[3877]:من م.
[3878]:من م، في الأصل: أن.
[3879]:ساقطة من الأصل وم.
[3880]:في الأصل وم: أضاف.
[3881]:في الأصل وم: و.
[3882]:من م.
[3883]:من م.