فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

( فلما أحس عيسى منهم الكفر ) أحس علم ووجد ، قاله الزجاج ، وقال أبو عبيدة : معنى أحس عرف ، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة ، والإحساس العلم بالشيء ، قال تعالى ( هل تحس منهم من أحد ) والمراد بالإحساس هنا الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة وبالكفر إصرارهم عليه ، وقيل سمع منهم كلمة الكفر ، وقال الفراء أرادوا قتله .

وعلى هذا فمعنى الآية فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر ، والذين أرادوا قتله هم اليهود وذلك أنهم كانوا عارفين من التوراة بأنه المسيح المبشر في التوراة وأنه ينسخ دينهم ، فلما أظهر عيسى الدعوة اشتد ذلك عليهم وأخذوا في أذاه و طلبوا قتله وكفروا به فاستنصر عليهم كما أخبر الله عنه بقوله .

( قال من أنصاري ) الأنصار جمع نصير ( إلى الله ) أي متوجها إلى الله وملتجئا إليه أو ذاهبا إليه ، وقيل إلى بمعنى مع كقوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) وقيل المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله ، وقيل المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله .

وقيل لما بعث الله عيسى وأمره بإظهار رسالته والدعاء إليه نفوه وأخرجوه من بينهم ، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض يقول من أنصاري إلى الله .

( قال الحواريون ) جمع حواري ، وحواري الرجل صفوته وخلاصته وهو مأخوذ من الحور وهو البياض عند أهل اللغة حورت الثياب بيضتها ، والحواري من طعام ما حوري أي بيض ، والحواري الناصر ، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لكل نبي حواري ، وحواري الزبير ، وهو في البخاري وغيره ، قال ابن عباس كانوا صيادين ، وقال الضحاك هم قصارون مر بهم عيسى فآمنوا به .

وعن قتادة قال : الحواريون هم الذين تصلح لهم الخلافة ، وقيل هم أصفياء الأنبياء ، وقيل الحواري الوزير .

وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك فقيل لبياض ثيابهم ، وقيل لخلوص نياتهم ، وقيل لأنهم خاصة الأنبياء وكانوا اثني عشر رجلا وهم أول من آمن به .

( نحن أنصار الله ) أي أنصار دينه ورسله ( آمنا بالله ) استئناف جار مجرى العلة لما قبله فإن الإيمان يبعث على النصرة ( واشهد ) أنت يا عيسى لنا يوم القيامة ( بأنا مسلمون ) أي مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا إيذانا بأن غرضهم السعادة الأخروية .