فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

قوله : { فَلَمَّا أَحَسَّ } أي : علم ووجد : قاله الزجاج . وقال أبو عبيدة : معنى أحسّ عرف . وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة ، والإحساس : العلم بالشيء . قال الله تعالى : { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ منْ أَحَدٍ } [ مريم : 98 ] . والمراد بالإحساس هنا : الإدراك القويّ الجاري مجرى المشاهدة . وبالكفر إصرارهم عليه ، وقيل : سمع منهم كلمة الكفر . وقال الفراء : أرادوا قتله . وعلى هذا ، فمعنى الآية : فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال : من أنصاري إلى الله . الأنصار جمع نصير . وقوله : { إِلَى الله } متعلق بمحذوف وقع حالاً ، أي : متوجهاً إلى الله ، أو ملتجئاً إليه ، أو ذاهباً إليه ، وقيل : إلى بمعنى مع كقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] وقيل : المعنى : من أنصاري في السبيل إلى الله ، وقيل : المعنى : من يضم نصرته إلى نصرة الله . والحواريون : جمع حواري ، وحواريّ الرجل : صفوته ، وخلاصته ، وهو مأخوذ من الحور ، وهو البياض عند أهل اللغة ، حوّرت الثياب بيضتها ، والحواري من الطعام : ما حوّر : أي بيض ، والحواري أيضاً الناصر ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «لكل نبيّ حواريّ ، وحواريي الزبير » وهو في البخاري ، وغيره . وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك ، فقيل : لبياض ثيابهم . وقيل : لخلوص نياتهم . وقيل : لأنهم خاصة الأنبياء ، وكانوا اثني عشر رجلاً ، ومعنى أنصار الله : أنصار دينه ورسله . وقوله : { آمنا بالله } استئناف جار مجرى العلة لما قبله ، فإن الإيمان يبعث على النصرة . قوله : { واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي : اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا .

/خ58