معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

وقوله : { فَلَما أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ }

يقول : وجد عيسى . والإحساس : الوجود ، تقول في الكلام : هل أحسست أحدا . وكذلك قوله { هل تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ } . فإذا قلت : حَسَسْت ، بغير ألف فهي في معنى الإفناء والقتل . من ذلك قول الله عز وجل { إذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإذْنِهِ } والحَسّ أيضا : العطف والرِقّة ؛ كقول الكُمَيت :

هل مَنْ بكى الدار راجٍ أن تحِسّ له *** أو يُبْكِىَ الدارَ ماء العَبْرةِ الخَضِل

وسمعت بعض العرب يقول : ما رأيت عُقَيليّا إلا حَسَست له ، وحسِست لغة . والعرب تقول : من أين حَسَيت هذا الخبر ؟ يريدون : من أين تخبَّرته ؟ [ وربما قالوا حسِيت بالخبر وأحسيت به ، يبدلون من السين ياء ] كقول أبى زُبيد .

*** حسِينَ بِه فَهُنّ إليه شُوس ***

وقد تقول العرب ما أحَستْ بهم أحدا ، فيحذفون السين الأولى ، وكذلك في وددت ، ومسِست وهَمَمْت ، قال : أنشدني بعضهم :

هل ينفَعَنْك اليوم إِن هَمْت بِهَمّْ *** كثرةُ ما تأتي وتَعْقاد الرَتَمْ

وقوله : { مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ } المفسِّرون يقولون : من أنصاري مع الله ، وهو وجه حسن . وإنما يجوز أن تجعل ( إلى ) موضع ( مع ) إذا ضممت الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه ؛ كقول العرب : إن الذود إلى الذود إبل ؛ أي إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلا . فإذا كان الشيء مع الشيء لم تصلح مكان مع إلى ، ألا ترى أنك تقول : قدم فلان ومعه مال كثير ، ولا تقول في هذا الموضع : قدِم فلان وإليه مال كثير . وكذلك تقول : قدم فلان إلى أهله ، ولا تقول : مع أهله ، ومنه قوله : { وَلا تَأْكُلُوا أمْوالَهُمْ إِلَى أَمْوالِكُمْ } معناه : ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم .

والحواريُّون كانوا خاصَّة عيسى . وكذلك خاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع عليهم الحواريّون . وكان الزبير يقال له حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وربما جاء في الحديث لأبى بكر وعمر وأشباههما حوارىّ . وجاء في التفسير أنهم سُمُّوا حواريين لبياض ثيابهم .