وقوله تعالى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر }[ آل عمران :52 ]
قبل هذه الآية محذوفٌ ، به يتمُّ اتساق الآيات ، تقديره : فجاء عيسى كما بَشَّر اللَّه به ، فقالَ جميعَ ما ذُكِرَ لبنِي إسرائيل ، { فَلَمَّا أَحَسَّ } ومعنى :
{ أَحَسَّ } : عَلِمَ من جهة الحَوَاسِّ ، بما سَمِعَ من أقوالهم في تكذيبه ، ورأى من قرائن أحوالهم ، وشدَّة عدَاوتِهِم ، وإعراضهم ، { قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله } وقوله : { إِلَى الله } يحتملُ معنيين :
أحدهما : مَنْ ينصرنِي فِي السَّبيل إلى اللَّه .
والثاني : أنْ يكون التقديرُ : مَنْ يضيفُ نُصْرته إلى نصرة اللَّهِ لِي ، فإلى دَالَّة على الغاية في كِلاَ التقديرَيْن ، وليس يُبَاحُ أنْ يُقَالَ : إلى بمعنى مع ، كما غلط في ذلك بَعْضُ الفقهاءِ في تَأْويلِ قوله تعالى : { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق } [ المائدة : 6 ] ، فقال : إلى بمعنى مَعَ ، وهذه عُجْمَة .
و( الحواريُّون ) قَوْمٌ مرَّ بهم عيسى صلى الله عليه وسلم ، فدَعَاهم إلى نصرِهِ ، واتباع ملَّته ، فأجَابوه وقَامُوا بذلك خَيْرَ قيامٍ ، وصَبَرُوا في ذاتِ اللَّه ، واختلف لِمَ قِيلَ لهم حواريُّون ؟ فقال ابنُ جُبَيْرٍ : لبياضِ ثيابِهِمْ ، وقال أبو أرْطاةَ : لأنَّهم كانوا قَصَّارِينَ يَحُورُونَ الثِّياب ، أيْ : يبيِّضونها ، وقال قتادة : الحواريُّون : أصفياء الأنبياء الَّذِينَ تَصْلُحُ لهم الخلافةُ ، وقال الضَّحَّاك نحوه .
قال ( ع ) : وهذا القولُ تقريرُ حالِ القومِ ، وليس بتَفْسِيرِ اللَّفْظَة ، وعلى هذا الحدِّ شبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابن عَمَّتِهِ بِهِمْ في قوله : ( وَحَوَارِي الزُّبَيْرُ ) .
والأقوال الأَوَلى هي تفسيرُ اللفظ ، إذ هي من الحَوَر ، وهو البَيَاضُ ، حَوَّرْتُ الثَّوْبَ : بَيَّضْته ، ومنْه الحُوَاري ، وقد تسمِّي العرب النِّسَاءَ السَّاكِنَاتِ في الأمْصَارِ : الحَوَارِيَّاتِ ، لغلبة البَيَاض علَيْهِنَّ ، ومنه قولُ أبِي جِلْدَةَ اليَشْكُرِيِّ : [ الطويل ]
فَقُلْ لِلْحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنَا *** وَلاَ تَبْكِنَا إلاَّ الْكِلاَبُ النَّوَابِحُ
وقولُ الحواريِّين : { واشهد } يحتملُ أنْ يكون خطَاباً لعيسى عليه السلام ، أي : اشهد لَنَا عنْدَ اللَّهِ ، ويحتملُ أنْ يكونَ خطَاباً للَّه تعالى ، كقوله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ : ( اللَّهُمَّ ، اشهد ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.