قوله تعالى : { فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } من مثل خلقكم حلائل . قيل : إنما قال : من أنفسكم لأنه خلق حواء من ضلع آدم . { ومن الأنعام أزواجاً } أصنافاً ذكوراً وإناثاً ، { يذرؤكم } يخلقكم ، { فيه } أي : في الرحم . وقيل : في البطن . وقيل : على هذا الوجه من الخلقة . قال مجاهد : نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام . وقيل : " في " ، بمعنى الباء ، أي : يذرؤكم به . وقيل : معناه يكثركم بالتزويج . { ليس كمثله شيء } مثل صلة ، أي : ليس هو كشيء ، فأدخل " المثل " للتوكيد ، كقوله : { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } ( البقرة-137 ) ، وقيل : " الكاف " صلة ، مجازه : ليس مثله شيء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس له نظير . { وهو السميع البصير }
{ فَاطِرُ السماوات والأرض } أى هو خالقهما وموجدهما على غير مثال سابق ، من فطر الشئ إذا ابتدعه واخترعه دون أن يُسبَق إلى ذلك .
{ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً } أى : جعل لكم - سبحانه - بقدرته من جنس انفسكم أزواجا ، أى : نساء تجمع بينكم وبينهن المودة والرحمة ، كما قال - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } وقوله - سبحانه - : { وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً } معطوف على ما قبله . أى : كما خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، خلق - أيضا - للأنعام من جنسها إناثا ، ليحصل التوالد والتناسل والتعمير لهذا الكون .
وقوله - تعالى - { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } بيان للحكمة من هذا الجعل والخلق للأزواج .
والذرء : التكاثر والبث . يقال : ذرأ فلان الشئ ، إذا بثه وكثره .
والضمير المنصوب فى قوله { يَذْرَؤُكُمْ } يعود إلى المخاطبين وإلى الأنعام ، على سبيل التغليب للعقلاء على غيرهم .
والضمير فى قوله { فِيهِ } يعود إلى التزاوج بين الذكور والإِناث المفهوم من قوله - تعالى - : { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً } .
أى : يكثركم وينميكم بسبب هذا التزاوج الذى يحصل بين ذكوركم وإناثكم حيث يتناسل - أحيانا - بين الذكر الواحد والأنثى الواحدة ، عدد كبير من الأولاد .
وقال - سبحانه - { يَذْرَؤُكُمْ فِيه } ولم يقل يذرؤكم به أى : بسببه ، للأشعار بان هذا التزواج قد صار مثل المنبع والأصل للبث والتكثير .
قال - تعالى - : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } .
قال بعض العلماء : فإن قيل : ما وجه إفراد الضمير المجرور فى قوله { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } مع أنه على ما ذكرتم ، يعود إلى الذكور والإِناث من الآدميين والأنعام ؟ .
فالجواب : أن من أساليب اللغة العربية التى نزل بها القرآن . رجوع الضمير بصيغة الإِفراد إلى المثنى أو الجمع باعتبار ما ذكر .
ومنه قوله - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ } أى : يأتيكم بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم .
ثم نزه - سبحانه - ذاته عن الشبيه أو النظير . . فقال { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .
أى : مثله شئ - تعالى - : لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله ، فالكاف مزيدة فى خبر { لَيْسَ } و { شَيْءٌ } اسمها . أى : ليس شئ مثله .
أو أن الكاف أصلية . فيكون المعنى : ليس مثله - تعالى - أحد لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال .
وذلك كقول العرب : مثلك لا يبخل ، يعنون : أنت لا تبخل على سبيل الكتابة ، قصدا إلى المبالغة فى نفى البخل عن المخاطب بنفيه عن مثله ، فيثبت انتفاؤه عنه بدليله .
والمقصود من الجملة الكريمة على كل تفسير : تنزيهه - تعالى - عن مشابهة خلقه فى الذات أو الصفات أو الأفعال .
قال صاحب الكشاف : قالوا : مثلك لا يبخل ، فنفوا البخل عن مثله ، وهم يريدون نفيه عن ذاته ، قصدوا المبالغة فى ذلك فسلكوا به طريق الكناية ، لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده ، وعمن هو على أخص أوصافه ، فقد نفوه عنه .
ونظيره قولك للعربى : العرب لا تحفر الذمم ، كان أبلغ من قولك : أنت لا تخفر . .
وقوله - تعالى - : { وَهُوَ السميع البصير } أى : وهو - سبحانه - السمي لكل أقوال خلقه ، البصير بما يسرونه وما يعلنونه من أفعال .
ثم يعقب مرة أخرى بما يزيد هذه الحقيقة استقراراً وتمكيناً :
( فاطر السماوات والأرض ، جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً . يذرؤكم فيه . ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . .
فالله منزل ذلك القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيه من شيء . . هو ( فاطر السماوات والأرض ) . . وهو مدبر السماوات والأرض . والناموس الذي يحكم السماء والأرض هو حكمه الفصل في كل ما يختص بهما من أمر . وشؤون الحياة والعباد إن هي إلا طرف من أمر السماوات والأرض ؛ فحكمه فيها هو الحكم الذي ينسق بين حياة العباد وحياة هذا الكون العريض ، ليعيشوا في سلام مع الكون الذي يحيط بهم ، والذي يحكم الله في أمره بلا شريك .
والله الذي يجب أن يرجعوا إلى حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو خالقهم الذي سوى نفوسهم ، وركبها : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) . . فنظم لكم حياتكم من أساسها ، وهو أعلم بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم . وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارها للأحياء جميعا : ( ومن الأنعام أزواجاً ) . . فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود . . إنه هو الذي جعلكم - أنتم والأنعام - تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب . ثم تفرد هو دون خلقه جميعا ، فليس هنالك من شيء يماثله - سبحانه وتعالى - : ( ليس كمثله شيء ) . . والفطرة تؤمن بهذا بداهة . فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه . . ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه عندما تختلف فيما بينها على أمر ، ولا ترجع معه إلى أحد غيره ؛ لأنه ليس هناك أحد مثله ، حتى يكون هناك أكثر من مرجع واحد عند الاختلاف .
ومع أنه - سبحانه - ( ليس كمثله شيء ) . . فإن الصلة بينه وبين ما خلق ليست منقطعة لهذا الاختلاف الكامل . فهو يسمع ويبصر : ( وهو السميع البصير ) . . ثم يحكم حكم السميع البصير .
وهو { فاطر السماوات والأرض } ، أي مخترعها وخالقها شق بعضها من بعض .
وقوله تعالى : { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } يريد : زوج الإنسان الأنثى ، وبهذه النعمة اتفق الَّذْرُء ، وليست الأزواج هاهنا الأنواع ، وأما الأزواج المذكورة مع الأنعام ، فالظاهر أيضاً والمتسق : أنه يريد : إناث الذكران ، ويحتمل أن يريد الأنواع ، والأول أظهر .
وقوله : { يذرؤكم } أي يخلقكم نسلاً بعد نسل وقرناً بعد قرن ، قاله مجاهد والناس ، فلفظة ذرأ : تزيد على لفظة : خلق معنى آخر ليس في خلق ، وهو توالي الطبقات على مر الزمان .
وقوله : { فيه } الضمير عائد على الجعل الذي يتضمنه قوله : { جعل لكم } ، وهذا كما تقول : كلمت زيداً كلاماً أكرمته فيه . وقال القتبي : الضمير للتزويج ، ولفظة : «في » مشتركة على معان ، وإن كان أصلها الوعاء وإليه يردها النظر في كل وجه .
وقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } الكاف مؤكدة للتشبيه ، فبقي التشبيه أوكد ما يكون ، وذلك أنك تقول : زيد كعمرو ، وزيد مثل عمرو ، فأذا أردت المبالغة التامة قلت : زيد كمثل عمرو ، ومن هذا قول أوس بن حجر : [ المتقارب ]
وقتلى كمثل جذوع النخي . . . ل يغشاهمُ سيل منهمر{[10113]}
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهمُ . . . ما إن كمثلهم في الناس من أحد{[10114]}
فجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب ، وتفترق الآية مع هذه الشواهد متى أردت أن تتبع بذهنك هذا اللفظ فتقدر للجزوع مثلاً موجوداً وتشبه القتل بذلك المثل أمكنك أو لا يمكنك هذا في جهة الله تعالى إلا أن تجعل المثل ما يتحصل في الذهن من العلم بالله تعالى ، إذ المثل والمثال واحد ، وذهب الطبري وغيره إلى أن المعنى : ليس كهو شيء . وقالوا لفظة مثل في الآية توكيد أو واقعة موقع هو{[10115]} .
قال القاضي أبو محمد : ومما يؤيد دخول الكاف تأكيداً أنها قد تدخل على الكاف نفسها ، وأنشد سيبويه :
وصاليات ككما يؤثفين . . . {[10116]}
واعلموا أن خالق العالم لا يشابه شيئا من المخلوقات، والدليل عليه: أن التشبيه يوجب الاشتراك في جميع الأحكام؛ لأن حقيقة المشبهين هما المقتربان اللذان يجوز على كل واحد منها جميع ما جاز على الآخر، فيقوم مقامه، ويسدُّ مسدَّه، فلو كان الباري سبحانه وتعالى مشبها بخلقه لكان يجوز عليه من صفات خلقه، وذلك محال؛ لأنه يقتضي جواز كونه محدثا وإنه متناقض. فثبت أن الباري تعالى لا يشبه خلقه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فَاطِرُ السّمَواتِ وَالأَرْضِ": خالق السموات السبع والأرض.
"جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً": زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً.
وإنما قال جلّ ثناؤه: "مِنْ أنْفُسِكُمْ "لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم، فهو من الرجال. "وَمِنَ الأنْعامِ أزْوَاجاً": وجعل لكم من الأنعام أزواجاً من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكوراً وإناثاً، ومن كل جنس من ذلك. "يَذْرَؤُكُم فِيهِ": يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: "يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ "في هذا الموضع؛ فقال بعضهم معنى ذلك: يخلقكم فيه...
وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه...
"لَيْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" فيه وجهان:
أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد.
والآخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيء، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام.
وقوله: "وَهُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ" يقول جلّ ثناؤه واصفاً نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به من خلقه قول، البصير لأعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا يعزب عنه علم شيء منه، وهو محيط بجميعه، محصٍ صغيره وكبيره لِتُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ من خير أو شرّ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فاطر السماوات والأرض} وقال في موضع آخر: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض} [فاطر 1و...] وفي موضع آخر: {خلق السماوات والأرض} [الأنعام: 1و...] وقال في موضع آخر: {بديع السماوات والأرض} [البقرة: 117] هذه الأسماء، وإن اختلفت ألفاظها، وافترق اشتقاقها ومأخذها، فهي في المعاني واحدة. والإبداع هو الإنشاء بلا احتذاء سبق، والخلق هو الإنشاء والتقدير. لكن غيره لا يجوز أن يسمّى خالقا لأنه لا يقدر على تقدير شيء إلا على شاهد عاينه، ورآه. والفاطر كأنه مأخوذ من الشق، يشق الشيء، ويخرُج منه أشياء...
{جعل لكم من أنفسكم أزواجا} يحتمل وجوها:..
والثالث: أي جعل لكم من مثل خلقكم أزواجا أي أصنافا وأشكالا، جعل الخلق كله ذا أشكال وأمثال وذا أزواج...
أما قوله: {يذرؤكم فيه}، فقد قال بعضهم: يجيء قوله: {فيه} أي فيها كناية عن الأنعام. وكذلك ذُكر في حرف ابن مسعود رضي الله عنه "ويذرؤُكم فيها "أي في الأنعام لما جعل للبشر فيها من أنواع المنافع. وأما من قرأ {يذرؤكم فيه} بغير الألف فهو يجعله كناية عن العالم. كأنه يقول: {يذرؤكم فيه} أي يخلقكم في العالم، ويُكثركم فيه، ويعيّشكم ويعمّركم.
وقال بعضهم: {يذرؤكم} أي يُكثّركم في هذا التزويج الذي جعل بينكم، أي يكثّركم بسبب هذا التزويج، ولولا هذا التزويج لم يكثر الناس.
وجائز أن يكون قوله: {فيه} كناية عن التدبير؛ يقول: {يذرؤكم فيه} يخلقُكم فيه نسلا بعد نسل كقوله تعالى: {ذرأكم في الأرض} [المؤمنون: 79.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
حكي عن ابن عباس أنه قال لم أكن أعرف معنى (فاطر) حتى تحاكم إلى أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرته، بمعنى أنا ابتدأته...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأنه فاطر السموات والأرض، ولأنه لا مِثْلَ يُضَارِعهُ، ولا شكلَ يشاكله. والكاف في ليس "كمثله "صلة أي ليس مثله شيء. ويقال: لفظ "مثل" صلة؛ ومعناه ليس كهو شيء. ويقال معناه ليس له مثل؛ إذ لو كان له مثل لكان كمثله شيء وهو هو، فلمَّا قال: {لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ} فمعناه ليس له مثل، والحقُّ لا شبيهَ له في ذاته ولا في صفاته ولا في أحكامه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
فلفظة ذرأ: تزيد على لفظة: خلق معنى آخر ليس في خلق، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تقرر بهذا الكلام أنه قد ركز في الفطر أنه لا إله غيره لأنه لا خالق سواه كما يهدي إليه الاضطرار وإن أغفل عنه البطر، وصفه بالدليل على ذلك الذي جبل عليه جميع الفطر: {فاطر السماوات والأرض} أي مبتدئهما بالخلق والإخراج من العدم، وكل ما اتخذتموه ولياً من دونه فهو منهما، فهو مما فطره كما يعلم كل أحد منكم ذلك لا يتمارى فيه، فهذا هو السبب في العلم المركوز في الفطر من أنه الواحد الذي لا إله معه كما كان في الأزل ولا شيء معه.
ولما ذكر سبحانه ما شق العدم بإيجاده من غير سبب أصلاً، أتبعه ما سببه عن ذلك فأنشأه من العناصر التي أبدعتها يد القدرة في الخافقين، فقال معبراً بالفعلية تذكيراً بما يوجب لهم الاعتراف بما اعترف به نبيه صلى الله عليه وسلم من أنه وحده ربه لا شريك له في ذلك، فيوجب التوكل عليه وحده: {جعل لكم} أي بعد أن خلقكم من الأرض {من أنفسكم أزواجاً} يكون بالسكون إليها بقاء نوعكم، ولما كانت الأنعام ومنافعها لأجلنا قال: {ومن} أي وجعل لكم من {الأنعام} التي هي أموالكم وجمالكم وبها أعظم قوامكم {أزواجاً} أي من أنفسها، يكون بها أيضاً بقاء نوعها، وكذا جميع الحيوانات، ومعنى قوله مغلباً العقلاء: {يذرؤكم} أي يخلقكم ويكثركم ولما كان الأزواج في غاية المحبة للزواج بحيث إنه مستول على القلوب، كان كأنه محيط بهم فقال: {فيه} أي في ذلك التزاوج بحيث يجعلكم مولعين به، من قوله ذرأه: خلقه وكثره وأولعه بالشيء، فيكون لكم في الأزواج من البشر نطفاً وجمالاً وولادة، وفي الأنعام غذاء وشراباً واكلاً، وغير ذلك مما لكم فيه من المنافع، ولا تزالون في هذا الوجه من الخلق والتزاوج نسلاً بعد نسل وجيلاً بعد جيل.
ولما تقرر في الأوهام وثبت في كثير من الأذهان أنه لا يكون شيء إلا بسبب التزاوج، كان ربما سرى شيء من هذا الوهم في حق الخالق سبحانه فنفاه على أبلغ وجه بقوله: استئنافاً في جواب من يسأل عنه: {ليس} وقدم الخبر لأن المراد نفيه فأولاه النافي دلالة على شدة العناية بنفسه فقال:
{كمثله} أي مثل نفسه في ذاته ولا في شيء من صفاته: {شيء} يزاوجه أو يناسبه، وكل ما اتخذتموه ولياً من دونه، فله ما يزاوجه ويماثله، فالمراد بالمثل هنا النفس وهو أصله وحقيقته في اللغة من قولهم: مثل الرجل يمثل -إذا قام وانتصب، قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي: والمثل يكون هو الحديث نفسه {مثل الجنة التي وعد المتقون} [الرعد: 35] فمثلها هو الخبر عنها، وقيل: المثل ههنا الصفة {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} [البقرة: 214] أي صفتهم، نقل ذلك الهروي ونقل عن أبي عبد الله القزاز قوله: {ضرب مثل فاستمعوا له} [الحج: 73] كذلك، لأنه قال: {إن الذين تدعون} الآية فصار الخبر عن ذلك هو المثل، قال: وهو على أصل ما ذكرنا أن مثل الشيء صفته وصورته، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {مثال} وقرأ {أمثال الجنة التي وعد المتقون} ثم قال: وهذا كله يدل على أن معنى {مثل} صفة صورة، قال أبو عبد الله: مثلت له الشيء تمثيلاً: صورته له حتى كأنه ينظر إليه.
{وهو} أي والحال أنه لا غيره {السميع البصير} أي الكامل في السمع والبصر والعلم من البصر والبصيرة، ومن المقطوع به أن ذلك لا يكون على وجه الخصوص إلا بالوحدانية والحياة والقدرة والإرادة والكلام، فاستوفت هذه الآية ما لوح إليه العاطف في قوله "وما اختلفتم "بعد ما صرح به، فالله هو الولي من أصول الدين بالصفات السبع على أتم وجه- والله الموفق... فقد صرحت الآية بتنزيهه عن مساوٍ في شيء ما، فمن ادعى لأحد مساواته في شيء من صفاته علم أو غيره فقد أشرك به في تلك الصفة وهو أشد ملامة من المشرك بالصنم ونحوه من المخلوقات لأن إشراك هذا ظاهر الوهي واضح الخلل بين السفسفة، وإشراك الأول خفي لا يقدر على حله إلا راسخ، وإن كان كل منهما يصير إلى الركاكة والهذيان لأنه لا يسوغ في عقل أن يكون أحد شريكاً لأحد في شيء إلا وهو مساوٍ له في حقيقة الذات، وصالح في الجملة لأن يقوم مقامه في جميع الصفات، فإياك ثم إياك من مزلة ربما استغوى بها الشيطان بعض من يريد الترقي في درجات العرفان، ليخرجه من جميع الأديان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والله الذي يجب أن يرجعوا إلى حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو خالقهم الذي سوى نفوسهم، وركبها: (جعل لكم من أنفسكم أزواجاً).. فنظم لكم حياتكم من أساسها، وهو أعلم بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم. وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارها للأحياء جميعا: (ومن الأنعام أزواجاً).. فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود.. إنه هو الذي جعلكم -أنتم والأنعام- تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب. ثم تفرد هو دون خلقه جميعا، فليس هنالك من شيء يماثله -سبحانه وتعالى -:
(ليس كمثله شيء).. والفطرة تؤمن بهذا بداهة. فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه.. ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه عندما تختلف فيما بينها على أمر، ولا ترجع معه إلى أحد غيره؛ لأنه ليس هناك أحد مثله، حتى يكون هناك أكثر من مرجع واحد عند الاختلاف. ومع أنه- سبحانه -(ليس كمثله شيء).. فإن الصلة بينه وبين ما خلق ليست منقطعة لهذا الاختلاف الكامل. فهو يسمع ويبصر: (وهو السميع البصير).. ثم يحكم حكم السميع البصير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اعلم أن هذه الآية نفت أن يكون شيء من الموجودات مثلاً لله تعالى، والمثل يُحمل عند إطلاقه على أكمل أفراده، قال فخر الدّين « المثلان: هما اللذان يقوم كل واحد منهما مقام الآخر في حقيقته وماهيته» اه. فلا يسمّى مثلاً حقاً إلا المماثل في الحقيقة والماهية وأجزائها ولوازمها دون العوارض، فالآية نفت أن يكون شيء من الموجودات مماثلاً لله تعالى في صفات ذاته لأن ذات الله تعالى لا يماثلها ذواتُ المخلوقات، ويلزم من ذلك أن كل ما ثبت للمخلوقات في محسوس ذواتها فهو منتفٍ عن ذات الله تعالى. وبذلك كانت هذه الآية أصلاً في تنزيه الله تعالى عن الجوارح والحواسّ والأعضاء عند أهل التأويل والذين أثبتوا لله تعالى ما ورد في القرآن مما نسميه بالمتشابه فإنما أثبتوه مع التنزيه عن ظاهره إذ لا خلاف في إعمال قوله: {ليس كمثله شيء} وأنه لا شبيه له ولا نظير له.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وجملة {ليس كمثله شيء} – وإن جاءت في مقامها لتنفي أي احتمال للتماثل بين الله تعالى في قدرته وعظمته وشمول تصرفه وحكمته وكمال صفاته وبين أي كان ممن يتخذهم المشركون شركاء له في الدعاء والعبادة وفي معرض التنديد بالمشركين – فإنها من حيث هي حاسمة في صدد الذات الإلهية وسرها، ويصح أن تكون ضابطا عاما تجب ملاحظته في كل ما ذكر القرآن من صفات الله الذاتية والفعلية والعين والوجه والمجيء والنزول والعروج والاستواء والرؤية والسمع والبصر والكلام والروح والغضب والفرح والكيد والمكر الخ واعتبار كل مماثلة يمكن أن يتصورها الإنسان بين الله سبحانه في أي شيء وبين أي شيء آخر ممتنعة ومنتفية...
ثم يتحدث عن حيثية أخرى من حيثيات قدرته تعالى وأنه هو الولي الحق: {فَاطِرُ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم...}.
وقال تعالى في أول سورة فاطر: {الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 1] الفاطر هو الخالق الذي يخلق الشيء على غير مثال سابق، ولا نموذج يُحتذى، كما يحدث مثلاً في عالم الصناعة الآن، فهناك دولة متقدمة صناعياً فتأتي دول أقل منها تأخذ صناعاتها وتُقلِّدها وتصنع على مثالها، صحيح تُطوِّر فيها وتُجدِّد وتضيف لكن للدولة الأولى السَّبْق في النموذج الأول.
فمعنى {فَاطِرُ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضِ} خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق {جَعَلَ لَكُم} دلتْ على أن كل الأشياء مخلوقة لخدمة بني آدم هذا الخليفة الذي استخلفه الله في الكون...
وقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} يراد بالأزواج هنا الذكورة والأنوثة، كما في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَق الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [يس: 36].
وهذه حقيقة أثبتها العلم الحديث أن الزوجية موجودة في كل شيء حتى في الجمادات، فَهِمْنَاهَا في الموجب والسالب في الكهرباء، ورأيناها في ذرات المادة، قديماً كانوا يعرفونها في الأحياء في الإنسان والحيوان والنبات، وبالتقدم العلمي وجدناها في كل شيء خلقه الله.
وهذا دليل صِدْق قوله تعالى: {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [يس: 36]...
ومعنى {مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} يعني: من نفس النوع ومن نفس جنسكم، والطبيعة تجذب كلاً من النوعين الذكر والأنثى إلى الآخر فيحدث تعايش بينهما ينشأ عنه غريزة هي غريزة الجنس، وهذه يصاحبها متعة. ومن التقاء الذكر والأنثى يحدث النسل، فالإنسان أخدها للنسل وللمتعة معاً، أما الحيوان فأخذها للنسل فقط، فترى الذكر منجذباً إلى الأنثى حتى يحدث الحمل، بعدها لا يقربها.
أما الإنسان فغير ذلك، الإنسان أخذها متعة وبعد ذلك يتهم الحيوان ويقول: شهوة بهيمية، هي في الواقع شهوة إنسانية، فَلِمَ نظلم البهائم؟
ومن نعمه تعالى على خَلْقه أنْ جعل الأزواج من جنس واحد ليتم التوافق والانسجام بين النوعين ويحدث التناسل وبقاء النوع...
{وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً} سبق في سورة الأنعام: {ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ * وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ..} [الأنعام: 143-144].
إذن: ما دام قال لنا ثمانية أزواج، ثم عدّد أربعة فكلُّ نوع مكوَّن من زوجين زوج وزوج {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي: في الجعل ويذرؤكم يعني يكثركم، نلحظ أنه تعالى لم يقُلْ يذرأكم به يعني: يُكثركم بالجعل، إنما {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} وفيه تأتي بمعنى بسببه...
وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} له مناسبته هنا، فلما تكلم الحق سبحانه عن الأزواج في كل شيء أراد سبحانه أن يُنزِّه ذاته تعالى عن هذه المسألة، فقال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ولنفي المماثلة نقول: ليس مثله شيء، أما هنا فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
إذن: جعل لنفسه مثلاً، لأن العرب تنطق بالمثل وتريد به الإنسان نفسه، فإذا حدث من شخص أمرٌ ما يقولون له: مثلك لا يفعل هذا، يعني: أنت لا يصح أنْ تفعله، لأن مثلك لا يفعله، مثلك لا يجبُنُ عند الحرب، لكن لماذا لا يقولون أنت لا تجبن عند الحرب وأتى بالمثل؟
تأمَّل هنا المرحلية اللغوية، حين تقول: زيد مثل الأسد هذا يعني أنه دون الأسد، فأنت شبَّهته بالأعلى في الصفة. إذن: المثل أقلّ من الأصل، ولو فُرض أن الحق له مثل لا نقول: إن الله له مثل لأن مثله أدنى منه. إذن: لا مثْلَ له، وهذا معنى قول الشاعر:
وَلَمْ أَقُلْ مثْلَكَ أعْنِي به سِوَاكَ يَا فَرْداً بلاَ مُشبهِ
إذن: الأسلوب هنا في نفي المثلية أن يقول ليس مثله شيء، إنما أراد سبحانه أن يؤكد هذه المسألة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يعني: لو كان هناك مثل لله لا يكون له شبه، فكيف بالله تعالى؟ وكلمة {شَيْءٌ} تطلق على جنس الأجناس يعني: كل ما يُقال له شيء فكل ما يُطلق عليه شيء ليس كمثله.
{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أتى هنا بصفتين شركة بين الحق سبحانه وبين خَلْقه، فأنت تسمع والله يسمع، وأنت تبصر والله يبصر، لكن ينبغي أن نأخذ هذه الصفات لله تعالى في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر.
معنى {السَّمِيعُ} أي: للأصوات {الْبَصِيرُ} للمرئيات.
وفي موضع آخر يقول سبحانه: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 71] فالسمع نفسه عمل، والقول عمل والبصر عمل، وسبق أن أوضحنا أن العمل قول وفعل، والقوْلُ خاصٌّ باللسان، والفعل يشمل عمل كل الجوارح عدا اللسان، وبذلك يكون اللسانُ وحده قد أخذ شطر العمل، لأن القول به البلاغ، وبه إعلان الإيمان، وبه يُعبِّر المرء عن نفسه.
وهذه الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} تُعلِّمنا كيف نُنزِّه الله تعالى عن كل شبيه أو نظير أو مثيل، وتُعلِّمنا أن نأخذ كل وصف مشترك بين الحق وبين الخَلْق في هذا الإطار الإيماني.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآية التي تليها يمكن أن تكون دليلا خامساً على ولاية الله المطلقة، أو دليلا على ربوبيته، واستحقاقه دون غيره للتوكل والإنابة، إذ تقول: (فاطر السماوات والأرض).
«فاطر» من مادة «فطر» وتعني في الأصل فتق شيء ما، ويقابلها «قط» التي تعني بقول البعض الشق العرضي.
وكأنّما الآية تشير إلى تفتق ستار العدم المظلم عند خلق الكائنات وخروج الموجودات منه.
وبهذه المناسبة فإنّ «فُطُر» تطلق على «طلاع» التمر عندما يتفتق ويخرج منه التمر.
الصفة الثّالثة التي تذكرها الآية هو قوله تعالى: (ليس كمثله شيء).
إنّ هذا الجزء من الآية يتضمّن حقيقة أساسية في معرفة صفات الله الأُخرى، وبدونها لا يمكن التوصّل إلى أي صفة من صفات الله، لأنّ أكبر منزلق يواجه السائرين في طريق معرفة الله يتمثل في «التشبيه»حيث يشبهون الخالق جلّ وعلا بصفات مخلوقاته، وهو أمر يؤدي للسقوط في وادي الشرك!
إنّ وجود الله تعالى ليس له نهاية ولا يحد بحد، وكل شيء غيره له نهاية وحد من حيث القدر والعمر والعلم والحياة والإرادة والفعل...؛ وفي كلّ شيء.
وهذا هو خط تنزيه الخالق من نقائص الممكنات.
لذا فإنّ ما يثبت لغيره لا يصح عليه (سبحانه وتعالى) ولا ينطبق على ذاته المنزّهة، بل ولا معنى له.
فبالنسبة إلينا تكون بعض الأمور سهلة والأُخرى صعبة، وبعض الأحداث وقع في الماضي وبعضها يقع الآن، ومنها ما يقع في المستقبل. وبعض الأشياء صغير وبعضها كبير.
إنّ مقاييس هذه الأشياء ومدلولاتها ومفاهيمها تحتكم إلى وجودنا المحدود، وهي تلائم إدراكنا وحاجتنا إلى مقايسة الأشياء بغيرها.
أمّا هذه المواصفات والمقاييس والمصطلحات المحدودة، فإنّ أياً منها لا ينطبق على صفات الله، إذ لا معنى لديه للقرب والبعد، فالكل قريب وفي متناول إرادته، ولا معنى للصعب والسهل، فكل شيء سهل وطوع إرادته المطلقة، ولا يوجد مستقبل وماض، فكل شيء بالنسبة إليه تعالى حضور وحال.
إنّ إدراك هذه المعاني غير مستطاع من دون تفريغ الذهن وتخليته ممّا هو فيه.
لهذا السبب يقال: إنّ من السهل معرفة أصل وجود الخالق جلّ وعلا، لكن من الصعب معرفة صفاته.