قوله تعالى : { فما بكت عليهم السماء والأرض } وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السلام والأرض أربعين صباحاً ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح ، فتبكي السماء على فقده ، ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله الفنجوي ، حدثنا أبو علي المقري ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة الزيدي ، أخبرني يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من عبد إلا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه " ثم تلا : { فما بكت عليهم السماء والأرض } . قال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها . قال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء ، وبكاؤها : حمرتها . { وما كانوا منظرين } لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها .
ثم بين - سبحانه - أن فرعون وقومه بعد ان غرقوا ، لم يحزن لهلاكهم أحد ، فقال : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } .
أى : أن هؤلاء المغرقين ، الذين كانوا ملء السمع والبصر ، وكانوا يذلون غيرهم ، وكانوا يملكون الجنات والعيون . . هؤلاء الطغاة ، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السماوات أو أهل الأرض ، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر فى الدنيا أو فى الآخرة ، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف .
فالمقصود من الآية الكريمة ببيان هوان منزلة هؤلاء المغرين ، وتفاهة شأنهم ، وعدم أسف أحد على غرقهم ، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل . .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا فى تعظيم مهكله : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . .
قال جرير فى رثاء عمر بن العزيز :
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا . . . يا خير من حج بيت الله واعتمروا
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له . . . وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
الشمس طالعة ليست بكاسفة . . . تبكى عليك نجوم الليل والقمرا
وقالت ليلى بنت طريف الخارجية ، ترثى أخاها الوليد :
أيا شجر الخابور مالك مورقا . . . كأنك لم تجزع على ابن طريف
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة فى وجوب الجزع والبكاء عليه . .
وفى الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده ، فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض . يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، بل كانكوا بهلاكهم مسرورين . .
وقال الإِمام ابن كثير : قوله : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض } أى : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد فى أبواب السماء فتبكى على فقدهم ، ولا لهم بقاع فى الأرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا .
ثم ساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث منها ما أخرجه ابن جرير " عن شريح بن عبيد الحضرمى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الإِسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، ألا لا غربة على مؤمن . ما مات مؤمن فى غربة غابت عنه فيها بواكيه . إلا بكت عليه السماء والأرض . ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية . ثم قال : إنهما لا يبكيان على كافر " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.