وقوله : { صِبْغَةَ اللَّهِ } قال الضحاك ، عن ابن عباس : دين الله وكذا روي عن مجاهد ، وأبي العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الله بن كثير ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، والسدي ، نحو ذلك .
وانتصاب { صِبْغَةَ اللَّهِ } إما على الإغراء كقوله { فِطْرَتَ اللَّهِ } [ الروم : 30 ] أي : الزموا ذلك عليكموه . وقال بعضهم : بدل من قوله : { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } وقال سيبويه : هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله : { آمَنَّا بِاللَّهِ } كقوله { وَاعْبُدُوا اللَّهَ } [ النساء : 36 ] .
وقد ورد{[2853]} في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مَرْدُويه ، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس أن نبي الله{[2854]} قال : " إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، هل يَصْبُغ ربك ؟ فقال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى ، سألوك هل يَصْبُغ ربك ؟ فقل : نعم ، أنا أصبُغ الألوان : الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها من صَبْغي " . وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم :
{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً }{[2855]} .
كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا ، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف ، وهو أشبه ، إن صح إسناده ، والله أعلم{[2856]} .
{ صبغة الله } أي صبغنا الله صبغته ، وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره ، وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة ، فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون : هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم ، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله { آمنا } وقيل على الإغراء ، وقيل على البدل من ملة إبراهيم عليه السلام .
{ ومن أحسن من الله صبغة } لا صبغة أحسن من صبغته { ونحن له عابدون } تعريض بهم ، أي لا نشرك به كشرككم . وهو عطف على آمنا ، وذلك يقتضي دخول قوله { صبغة الله } في مفعول { قولوا } ولمن ينصبها على الإغراء ، أو البدل أن يضمر قولوا معطوفا على الزموا ، أو اتبعوا ملة إبراهيم و{ قولوا آمنا } بدل اتبعوا ، حتى لا يلزم فك النظم وسوء الترتيب .
{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }( 138 )
و { صبغة الله } شريعته وسنته وفطرته ، قال كثير من المفسرين : وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم ، فهذا ينظر إلى ذلك( {[1322]} ) : وقيل : سمي الدين { صبغة } استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره( {[1323]} ) ، ونصب الصبغة على الإغراء ، وقيل بدل من ملة ، وقيل نصب على المصدر المؤكد لأن ما قبله من قوله { فقد اهتدوا } هو في معنى يلبسون أو يتجللون صبغة الله ، وقيل : التقدير ونحن له مسلمون صبغة الله ، فهي متصلة بالآية المتقدمة ، وقال الطبري من قرأ برفع «ملةُ » قرأ برفع «صبغةُ » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وقد ذكرتها( {[1324]} ) عن الأعرج وابن أبي عبلة . و { نحن له عابدون } ابتداء وخبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.