اشتملت هذه السورة على طائفة من أوصاف المنافقين ، فذكرت أنهم يعلنون إيمانهم بألسنتهم غير صادقين ، بينت أنهم يجعلون إيمانهم الكاذبة وقاية لهم من وصف الكفر الذي هم عليه ومجازاتهم به ، كما بينت أنهم ذوو أجسام حسنة تعجب من رآها ، وأصحاب فصاحة يستمع إليها ، وهم مع ذلك فارغة قلوبهم من الإيمان كأنهم خشب مسندة لا حياة فيهم .
وعرضت لحالهم حين يدعون ليستغفر لهم رسول الله مبينة أنهم يستكبرون ، ويظهرون إعراضهم عن الاستجابة متعالين .
ثم انتقلت إلى ما زعمه المنافقون من أنهم أعزة وأن المؤمنين أذلة ، وما توعدوا به المؤمنين من إخراجهم بعد رجوعهم إلى المدينة ، مبينة أي الفريقين هو الأعز .
ووجهت في ختامها الخطاب للمؤمنين لينفقوا في سبيل الله ، مبادرين إلى ذلك قبل أن يأتي أحدهم الموت ، فيندم ويتمنى أن لو تأخر أجله ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها .
1- إذا جاءك المنافقون - يا محمد - قالوا بألسنتهم : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في دعواهم الإيمان بك لعدم تصديقهم بقلوبهم .
وهي مدنية{[1]}
يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين : إنهم إنما يتفوهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك ، بل على الضدّ من ذلك ؛ ولهذا قال تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } أي : إذا حَضَروا عندك{[28864]} واجهوك بذلك ، وأظهروا لك ذلك ، وليسوا كما يقولون : ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول الله ، فقال : { اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }
ثم قال : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } أي : فيما أخبروا به ، وإن كان مطابقًا للخارج ؛ لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه ؛ ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذَا جاءَكَ المُنافِقُونَ يا محمد قالُوا بألسنتهم نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسُولُهُ قال المنافقون ذلك أو لم يقولوا وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ المُنافقينَ لَكَاذِبُونَ يقول : والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله ، وذلك أنها لا تعتقد ذلك ولا تؤمن به ، فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك .
وكان بعض أهل العربية يقول في قوله : وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ المُنافقينَ لَكَاذِبُونَ إنما كذب ضميرهم لأنهم أضمروا النفاق ، فكما لم يقبل إيمانهم ، وقد أظهروه ، فكذلك جعلهم كاذبين ، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا .
وهي مدنية بإجماع وذلك أنها نزلت في غزوة بني المصطلق{[1]} بسبب أن عبد لله بن أبي ابن سلول كانت منه في تلك الغزوة أقوال وكان له اتباع يقولون قوله فنزلت السورة كلها بسبب ذلك ذكر الله تعالى فيها ما تقدم من المنافقين من خلفهم وشهادتهم في الظاهر بالإيمان وأنهم كذبة وذكر فيها ما تأخر منهم ووقع في تلك الغزوة وسيأتي بيان ذلك فصلا فصلا عند تفسير الآيات إن شاء الله .
فضح الله تعالى بهذه الآية سريرة المنافقين ، وذلك أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم { نشهد إنك لرسول الله } ، وهم في إخبارهم هذا كاذبون ، لأن حقيقة الكذب أن يخبر الإنسان بضد ما في قلبه ، وكسرت الألف من «إن » في الثلاثة ، لدخول اللام المؤكدة في الخبر ، وذلك لا يكون مع المفتوحة ، وقوله : { نشهد } وما جرى مجراها من أفعال اليقين ، والعلم يجاب بما يجاب به القسم ، وهي بمنزلة القسم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.