الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة المنافقين في المدينة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .

وأخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة فيحرض بها المؤمنين ، وفي الثانية سورة المنافقين ، فيقرع بها المنافقين .

وأخرج البزار والطبراني عن أبي عيينة الخولاني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ، والسورة التي يذكر فيها المنافقون ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

أخرج ابن سعد وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن زيد بن أرقم قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس شدّة ، فقال عبدالله بن أبيّ لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبدالله بن أبيّ فسأله ، فاجتهد يمينه ما فعل ، فقالوا : كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تصديقي في { إذا جاءك المنافقون } فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم ، فلووا رؤوسهم ، وهو قوله : { خشب مسندة } قال : كانوا رجالاً أجمل شيء .

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن زيد بن أرقم قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان معنا ناس من الأعراب ، فكنا نبتدر الماء ، وكان الأعراب يسبقونا إليه ، فيسبق الأعرابي أصحابه ، فيملأ الحوض ، ويجعل حوله حجارة ، ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه ، فأتى من الأنصار أعرابياً فأرخى زمام ناقته لتشرب ، فأبى أن يدعه ، فانتزع حجراً فغاض الماء ، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه ، فأتى عبدالله بن أبيّ رأس المنافقين فأخبره ، وكان من أصحابه فغضب ، وقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفض من حوله يعني الأعراب ، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام ، وقال عبدالله لأصحابه : إذا انفضوا من عند محمد فائتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن عنده ، ثم قال لأصحابه : إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل ، قال زيد : وأنا ردف عمي ، فسمعت ، وكنا أخواله عبدالله فأخبرت عمي ، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليه رسول الله ، فحلف وجحد فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني ، فجاء إلى عمي فقال : ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذبك المسلمون ، فوقع عليّ من الهم ما لم يقع على أحد قط ، فبينما أنا أسير ، وقد خففت برأسي من الهم إذا آتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ، فما كان يسرني أن لي بها الخلد أو الدنيا ، ثم إن أبا بكر لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : ما قال لي شيئاً إلا أنه عَرَكَ أذني وضحك في وجهي ، فقال : ابشر ثم لحقني عمر ، فقلت له مثل قولي لأبي بكر ، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } حتى بلغ { ليخرجن الأعز منها الأذل } .

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن زيد بن أرقم قال : لما قال عبدالله بن أبيّ ما قال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، سمعته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فلامني ناس من الأنصار ، وجاءهم يحلف ما قال ذلك ، فرجعت إلى المنزل ، فنمت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «إن الله صدقك وعذرك » ، فأنزلت هذه الآية { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله } الآيتين .

وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال : لما قال ابن أبيّ ما قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء فحلف ما قال ، فجعل ناس يقولون : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب حتى جلست في البيت مخافة إذا رأوني قالوا : هذا الذي يكذب ، حتى أنزل الله { هم الذين يقولون } الآية .

وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال : كنت جالساً مع عبدالله بن أبيّ فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فقال عبدالله بن أبيّ : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فأتيت سعد بن عبادة فأخبرته ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله بن أبيّ ، فحلف له عبدالله بن أُبيّ بالله ما تكلم بهذا ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة ، فقال سعد : يا رسول الله إنما أخبرنيه الغلام زيد بن أرقم ، فجاء سعد فأخذ بيدي ، فانطلق بي ، فقال : هذا حدثني ، فانتهرني عبدالله بن أبيّ ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكيت وقلت : أي والذي أنزل النور عليك لقد قاله ، وانصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { إذا جاءك المنافقون } إلى آخر السورة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إنما سماهم الله منافقين لأنهم كتموا الشرك وأظهروا الإِيمان .