سورة{[1]} المنافقون مدنية
الآية 1 قوله تعالى { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله } اختلفوا في تأويل قوله تعالى : { نشهد } :
قال بعضهم : { نشهد } يعني نقسم ، ونحلف ، وقال بعضهم : { نشهد } على ابتداء الشهادة .
فمن حمله على القسم قرأ { اتخذوا أيمانهم جنة }[ الآية : 2 ] يعني حلفهم ، ومن حمله على الشهادة ابتداء قرأ اتخذوا إيمانهم{[21250]} جنة ، يعني تصديقهم ، ليس أنها قراءة واحدة ، فقرئت بلفظين ، ولكنهما كانا جميعا ، فقرئت بالمعنيين جميعا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } والإشكال أن كيف قال الله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } وهم إنما { قالوا نشهد إنك لرسول الله } ؟ ومعلوم أن هذا القول منهم صدق ، ولكن المعنى من هذا ، والله أعلم .
أنم طعنوا في ما أظهروا من الخلاف والتكذيب عند غير رسول الله ، فحسبوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على صنيعهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، ويقولون : { نشهد إنك لرسول الله } وإن ما بلغك منا من القول كذب ، وما قلناه . فأخبر الله تعالى أنهم كاذبون في ما أخبروا أنهم ما قالوه .
ألا ترى إلى قوله : { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } ؟ [ التوبة : 74 ] .
ويحتمل أن يكون معناه : إنا نشهد في قلوبنا إنك لرسول الله كما نظهره بألسنتنا ، فأخبر الله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } في ما يشهدون بالإيمان في قلوبهم .
ويحتمل{[21251]} أن يكون المعنى من قوله : { نشهد } أي نعلم برسالتك في قلوبنا { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } في ما أخبروا أنهم يعلمون رسالته في قلوبهم ، وقد كان لزمهم العلم برسالته من جهة الآيات والحجج ، ولكن تعاموا عن ذلك العلم استخفافا منهم وتعنتا ، فصار ذلك العلم كالجهل الحقيقي .
ثم أخبرهم الله عن أنفسهم وضمائرهم أنهم يعلمون ، وأخبر رسوله{[21252]} أنهم كاذبون : أنهم يعلمون برسالته ، والله أعلم .
ثم الواجب أن يعلم ما الذي أحوجهم إلى أن { قالوا نشهد إنك لرسول الله } وقد كان كثير من المؤمنين يلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون{[21253]} ذلك ، فكيف قال المنافقون ذلك ؟
فمعناه عندنا ، والله أعلم ، أنهم حين{[21254]} اعتادوا مخادعة الله ورسوله امتحنهم الله تعالى بهذه المقالة .
ويحتمل أن يكونوا جروا على عادتهم أنهم إذا لقوا المسلمين { قالوا آمنا } بمثل ما آمنتم { وإذا [ خلوا إلى شياطينهم ]{[21255]} قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون } [ البقرة : 14 ] . وإذا لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { قالوا نشهد إنك لرسول الله } على عادتهم في كل مجلس{[21256]} بما يليق به وبمذهبه ، والله أعلم .
ويجوز أن يكونوا يخافون أن قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافهم ، وتكذيبهم ، فكانوا إذا لقوه { قالوا نشهد إنك لرسول الله } اعتذارا من ذلك الخلاف لو بلغه .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { يحسبون كل صيحة عليهم } ؟ [ المنافقون : 4 ] كانوا يحسبون من سوء ما يضمرون في قلوبهم من النفاق أن كل من كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما يكلمه{[21257]} بسببهم ، فكذلك الأول ، والله أعلم .
ثم قال ههنا : { نشهد } ولم يقل نشهد بالله ، لأن المعنى من هذا الحلف ، والحلف من المؤمنين في المتعارف إنما يكون بالله تعالى . فلذلك أجزأ بقوله : { نشهد } عن قوله : بالله ؛ فيكون هذا دليلا لقول أصحابنا : إن قوله { نشهد } يكون يمينا حين{[21258]} ذكر ههنا بطريق القسم ، والمعنى ما أشير إليه ، والله أعلم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.