السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وهي إحدى عشرة آية ، ومائة وثمانون كلمة وسبعمائة وستة وسبعون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له الإحاطة العظمى علماً وقدرة { الرحمن } الذي ستر بعموم رحمته من أراد من عباده { الرحيم } الذي وفق أهل وده لما يحبه ويرضاه .

{ إذا جاءك } يا أيها الرسول المبشر بك في التوراة والإنجيل ، وقرأ حمزة وابن ذكوان بالإمالة والباقون بالفتح ، وإذا وقف حمزة سهل الهمزة مع المد والقصر ، وله أيضاً إبدالها ألفاً مع المد والقصر{ المنافقون } أي : الغريقون في وصف النفاق ، وهم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه { قالوا } مؤكدين لأجل استشعارهم بتكذيب من يسمعهم لما عندهم من الارتياب { نشهد } قال الحسن : هو بمنزلة اليمين كأنهم قالوا نقسم { إنك لرسول الله } أي : الملك الذي له الإحاطة الكاملة فوافقوا الحق بظاهر أحوالهم ، وخالفوا بقلوبهم وأفعالهم . وقوله تعالى : { والله يعلم } أي : وعلمه هو العلم في الحقيقة ، وأكد سبحانه بحسب إنكار المنافقين فقال تعالى : { إنك لرسوله } سواء أشهد المنافقون بذلك أم لا فالشهادة حق ممن يطابق لسانه قلبه جملة معترضة بين قولهم : { نشهد إنك لرسول الله } وبين قوله تعالى : { والله يشهد } لفائدة .

قال الزمخشري : لو قال قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد أنهم لكاذبون ، لكان يوهم أن قولهم هذا كذب فوسط بينهما قوله تعالى : { والله يعلم إنك لرسوله } ليميط هذا الإيهام { والله } أي : المحيط بجميع صفات الكمال { يشهد } شهادة هي الشهادة لأنها محيطة بدقائق الظاهر والباطن { إن المنافقين } أي : الراسخين في وصف النفاق { لكاذبون } أي : في إخبارهم عن أنفسهم إنهم يشهدون ، لأن قلوبهم لا تطابق ألسنتهم فهم لا يعتقدون ذلك ، ومن شرط قول الحق أن يتصل ظاهره بباطنه وسره بعلانيته ، ومتى تخالف ذلك فهو كذب ألا ترى أنهم كانوا يقولون بألسنتهم نشهد إنك لرسول الله وسماه الله تعالى كذباً لأن قولهم خالف اعتقادهم .