فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المنافقون

هي إحدى عشر آية بلا خلاف ، وهي مدنية

قال القرطبي : في قول الجميع ، قال ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وعن ابن الزبير مثله .

" وعن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ، فيحرض بها المؤمنين ، وفي الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين ، " أخرجه سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط قال السيوطي : بسند حسن ، وأخرج البراز والطبراني عن أبي عتبة الخولاني مرفوعا نحوه .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( 1 )

{ إذا جاءك المنافقون } أي إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك ، قال ابن عباس : إنما سماهم الله منافقين لأنهم كتموا الشرك ، وأظهروا الإيمان ، والمراد بهم عبد الله بن أبيّ وأصحابه { قالوا } هذا جواب الشرط ، وقيل محذوف ، وقالوا : حال أي جاؤوك قائلين كيت وكيت ، فلا تقبل منهم وقيل : الجواب اتخذوا أيمانهم جنة ، وهو بعيد جدا كما لا يخفى { نشهد إنك لرسول الله } أكدوا شهادتهم بإن واللام للإشعار لأنها صادرة من صميم قلوبهم ، مع خلوص اعتقادهم ، ومعنى نشهد نحلف ، فهو يجري مجرى القسم ، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم ، وإنما عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر معين ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على ظاهره نفيا للنفاق عن أنفسهم ، وهو الأشبه ، ومثل نشهد نعلم فإنه أيضا يجري مجرى القسم ، كما في قول الشاعر :

ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها

{ والله يعلم إنك لرسوله } جملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها ، وهو ما أظهروه من الشهادة ، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب ، وخلوص الاعتقاد ، لا في منطوق كلامهم ، وهو الشهادة بالرسالة ، فإنه حق يعني أنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم ، من التأكيد الدال على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد ، وطمأنينة قلب ، وموافقة باطن لظاهر ، أو إنهم كاذبون عند أنفسهم ، لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم : إنك لرسول الله كذب ، وخبر على خلاف ما عليه المخبر عنه .