المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

2- هذا هو الكتاب الكامل وهو القرآن الذي ننزله لا يرتاب عاقل منصف في كونه من عند الله ، ولا في صدق ما اشتمل عليه من حقائق وأحكام ، وفيه الهداية الكاملة للذين يستعدون لطلب الحق ، ويتوقُّون الضرر وأسباب العقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

1

( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) .

ومن أين يكون ريب أو شك ؛ ودلالة الصدق واليقين كامنة في هذا المطلع ، ظاهرة في عجزهم عن صياغة مثله ، من مثل هذه الأحرف المتداولة بينهم ، المعروفة لهم من لغتهم ؟

( ذلك الكتاب لا ريب فيه . . هدى للمتقين ) . .

الهدى حقيقته ، والهدى طبيعته ، والهدى كيانه ، والهدى ماهيته . . ولكن لمن ؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونورا ودليلا ناصحا مبينا ؟ . . للمتقين . . فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب . هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك . هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب .

لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم . بقلب خالص . ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى ، ويحذر أن يكون على ضلالة ، أو أن تستهويه ضلالة . . وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره ، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا ، خائفا ، حساسا ، مهيأ للتلقي . . ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال بلى ! قال : فما عملت ؟ قال : شمرت واجتهدت . قال : فذلك التقوى . .

فذلك التقوى . . حساسية في الضمير ، وشفافية في الشعور ، وخشية مستمرة ، وحذر دائم ، وتوق لأشواك الطريق . . طريق الحياة . . الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا . وعشرات غيرها من الأشواك !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ} (2)

ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( 2 )

الاسم من { ذلك } الذال والألف ، وقيل الذال وحدها ، والألف تقوية ، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد ، والكاف للخطاب ، وموضع { ذلك } رفع كأنه ابتداء( {[160]} ) ، أو ابتداء وخبره بعده ، واختلف في { ذلك } هنا فقيل : هو بمعنى «هذا » ، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن .

قال القاضي أبو محمد : وذلك أنه قد يشار ب «ذلك » إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وب «هذا » إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقُرْب( {[161]} ) . وقيل : هو على بابه إِشارة إلى غائب( {[162]} ) ، واختلف في ذلك الغائب ، فقيل : ما قد كان نزل من القرآن ، وقيل : التوراة والإنجيل ، وقيل : اللوح المحفوظ ؛ أي الكتاب الذي هو القدر وقيل : إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء ، فأشار إلى ذلك الوعد( {[163]} ) .

وقال الكسائي : «{ ذلك } إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد » . وقيل : إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتاباً ، فالإشارة إلى ذلك الوعد ، وقيل : إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال { الم } حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها( {[164]} ) .

ولفظ { الكتاب } مأخوذ من «كتبتُ الشيء » إذا جمعتَه وضممتَ بعضه إلى بعض ككتبَ( {[165]} ) الخَرَز بضم الكاف وفتح التاء وكتبَ الناقة .

ورفع { الكتاب } يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان . و { لا ريب فيه } معناه : لا شكّ فيه ولا ارتياب به ؛ والمعنى أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريبٌ للكفار( {[166]} ) .

وقال قوم : لفظ قوله { لا ريب } فيه لفظ الخبر ومعناه النهي .

وقال قوم : هو عموم يراد به الخصوص ؛ أي عند المؤمنين . وهذا ضعيف( {[167]} ) .

وقرأ الزهري ، وابن محيصن ، ومسلم بن جندب ، وعبيد بن عمير : «فِيهُ » بضم الهاء ؛ وكذلك «إليهُ » و «علَيْهُ » و «بِهُ » و «نُصْلِهُ » ونولهُ وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل . وقرأ ابن إسحاق : «فيهو » ضم الهاء ووصلها بواو . ( {[168]} )

و { هدى } معناه رشاد وبيان ، وموضعه ، من الإعراب رفع على أنه خبر { ذلك } ، أو خبر ابتداء مضمر ، أو ابتداء وخبره في المجرور قبله( {[169]} ) ، ويصح أن يكون موضعه نصباً على الحال من ذلك ، أو من الكتاب ، ويكون العامل فيه معنى الإشارة ، أو من الضمير في { فيه } ، والعامل معنى الاستقرار ؛ وفي هذا القول ضعف .

وقوله { للمتقين } اللفظ مأخوذ من وَقَى ، وفعله اتَّقى ، على وزن افتعل ، وأصله «للموتقيين »( {[170]} ) استثقلت الكسرة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء ، وأبدلت الواو تاءً على أصلهم في اجتماع الواو والتاء ، وأدغمت التاء في التاء فصار { للمتقين } . والمعنى : الذين يتقون الله تعالى( {[171]} ) بامتثال أوامره واجتناب معاصيه ، كان ذلك وقاية بينهم وبين عذاب الله . ( {[172]} )


[160]:- أي: هو ذلك الكتاب.
[161]:- قال بعضهم: الإشارة للبعيد بذلك من باب العرف لا من باب الوضع، ولذلك ترى العرب تستعمل كلا من اسمي الإشارة مكان الآخر، وذلك موجود في كلامهم ومتداول بينهم. قال أبو (ح): سمعت شيخنا أبا جعفر يقول: ذلك إشارة إلى الصراط في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)، كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتموه هوالكتاب. قال أبو (ح): وبهذا الذي ذكره الأستاذ يتبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد، وهذا القول أولى، لأنه إشارة إلى شيء سبق ذكره، لا إلى شيء لم يجر له ذكر ا.هـ.
[162]:- ضعف هذا المذهب كثير من العلماء كما قاله ابن (ك).
[163]:- في صحيح الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لابتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان).
[164]:- هو قطرب وغيره كما سبق آنفا، ويقال لحروف المعجم: حروف الهجاء، كما روي أنه قيل لأعرابي:أتقرأ القرآن؟ قال: والله ما هجوت منه حرفا.
[165]:- كتب السقاء كتبا خرزه بسيرين –وكتب الناقة ظأرها فخزم منخزيها بشيء لئلا تشم البَو، والكُتَبة بالضم السير يخرز به- أو الخرزة التي ضم السير وجهيها، الجمع كتب.
[166]:- معنى نفي الريب عن الكتاب أنه ليس مظنة للريب في ذاته لعلو منزلته، وظهور معجزته، وليس معناه أنه لا يرتاب في أحد أصلا.
[167]:- أي لأن النفي عام، ولذلك كان (لا ريب) منصوبا على التبرئة.
[168]:- وقرأ ابن كثير (فيهي) بكسر الهاء ووصلها بالياء، وقرأ أبو عمرو البصري (فيه هدى) بالإدغام
[169]:- من القراء من يقف على قوله تعالى: (لا ريب)، ويبتدئ بقوله تعالى: (فيه هدى للمتقين)، كأن المعنى: ذلك الكتاب حقا –والوقف على قوله تعالى: (لا ريب فيه) أولى لقوله تعالى في سورة السجدة (آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين). قال أبو (ح): والأولى جعل كل جملة مستقلة، فلذلك الكتاب جملة، ولا ريب جملة، وفيه هدى للمتقين جملة، ولم تحتج إلى حرف عطف لأن بعضها آخذ بعنق بعض، فالأولى أخبرت بكمال الكتاب، والثانية أخبرت بنفي الريب عن الكتاب، والثالثة أثبتت هداية الكتاب للمتقين، وعلى ما ذكره المؤلف فجعل (هدى) خبر (ذلك)، أو خبر ابتداء مضمر أولى، لأن كون الكتاب هدى أبلغ من كونه فيه هدى، ويكون (فيه) من تمام ما قبله.
[170]:- بياءين مخففتين، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها، ثم حذفت الياء للالتقاء فقوله: وسكنت أي الياء.
[171]:- إنما خص الله هدايته بالمتقين –مع أن هداية الكتاب عامة- إظهارا لكرامتهم، وإبرازا لعبوديتهم، لأنهم هم الذين انتفعوا بمواهب الكتاب ومعارفه.
[172]:- روى معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا (يأيها الناسُ، اتخذوا تقوى الله تجارة يأتيكم الربح بلا بضاعة)، ثم قرأ: [ومن يتق الله يجعل له مخرجا] الآية، وعن ابن عباس مرفوعا (من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله) [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]. وفي التنزيل [ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب] [ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا]، [ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا]، وقد فسرت التقوى بأنواع من التفسير، وذلك كله مقبول كما للإمام (ط) رحمه الله.